التوقيت الخميس، 18 أبريل 2024
التوقيت 04:17 ص , بتوقيت القاهرة

في زمن العبث.. الحب عيب

* تسير في الكيلو دور.. وعلامات الصرامة مرتسمة على وجهها.. اليدان متشابكتان إلى الخلف.. وفي إحداهما تستقر خرزانة خشبية طويلة.. تضرب قدميها بالأرض في خطوات وئيدة.. فـ ترن في آذان التلاميذ..  ينكفئ الكل على وجهه.. ويتعرقل البعض في أرجلهم.. يعدو الجميع إلى فصله... تبث خطواتها الرعب في نفوس أولياء الأمور.. ويكش الزملاء والزميلات.


*  ثم فجأة تستوقفها "أم لإحدى التلميذات ".. تستنجد بها بلهجة صعيدية فتقول " إلحجيني يا مييييييييس ميرفت.. إمبارح وإحنا بنذاكر للبت مريم بتّي، أبوها جفش الجواب ده معاها وطيّن عيشتها.. ولولا إحنا كنا... ".


** تُقاطع ماما حديث السيدة بحركة من يدها، قائلة " ماتقوليلي اتعشّيتوا إيه إمبارح بالمرّة.. إنتي هتصاحبيني؟ وطي صوتك وإنتي بتتكلمي .. ولخّصي.. أنا مش فاضية ".


* تستكمل السيدة كلماتها المليئة بالخوف " أبوها حكم عليا آجي لحضرتك تشوفيلنا الموضوع ده وتعرفي مين اللي بعتلها الجواب".


- ردت ماما بضيق واقتضاب  "هاتي الجواب"!


* وما إن تناولت ماما الجواب وشرعت في قراءته حتى ازدادت ضيقاً.. معربة عن ضيقها في هيئة بضع " طقطقات" صادرة من احتكاك اللسان بسقف الحلق.. ويصاحب ذلك تبريق متواصل.. ثم أشارت للسيدة قائلة "تعالي ورايا ".


* تدلف ماما لفصل 3/6 ... ثم تتطلع بتلاميذ الفصل بنظرات مريبة ... تسأل بصوت مجلجل تكاد الديسكات تهتز من شدته " فين الواد اللي اسمه محمد سعيد ؟؟؟ "


- يأتيها صوت أحد التلاميذ من منتصف الفصل ، قائلاً "أنا يا مييييس " .. لم تتبين ملامحه للوهلة الأولى .. يظهر جسده النحيل بالكاد من بين تلاميذ الفصل .. ترى ماما قصر قامته و ضعف جسده .. فـ تتعجب و تمصمص شفتيها ، لم تلبث أن خرجت من دهشتها قائلة: " وكمان مضيت باسمك وفصلك يابن الهبلة ؟؟ تعالالي" !


- تصطحب ماما التلميذ للمكتبة.. ثم تسأله باستنكار " أنت اللي كتبت الجواب ده للبت مريم ؟؟"


- يرد التلميذ بمنتهى الثبات " أيوة أنا ".


- تفزع ماما وتعيد الكرة " وكتبته ليه يا حيلتها ؟؟".


- " عشان بحبها يا ميييييييييس ".


- تتسع حدقتا ماما حتى يكاد بؤبؤ عينيها يخرج من مكانه!.. ثم تطلب منه أن يرفع يده ويضرب نفسه قلمين على وجنتيه.. تعيد الكرّة حتى يترك القلمان أثراً أحمر على الوجه.. وامتد عقابه للوقوف في المكتبة لمدّة حصتين كاملتين... وطبعاً في الرايحة والجاية أصبحت تناديه بـ " تعالى يا حبّيب... روح يا حبّيب"، وخاصة أمام البنت إياها من قبيل الإحراج وكسر النفس!


*ولجل الإنصاف، اتجهت ماما للطرف الآخر ألا وهي البنت المحبوبة "مريم"، حيث العيون الخضراء والشعر البني الحريري.. و بلهجة حاسمة ، حذرتها من إرتداء الجينز أسفل دريل المدرسة - على أساس أن الجينز بيخليها SEXY GIRL يعني - .. و قالت للأم متهكمّة " لبّسي بنتك كلون تحت الجيبة يا حبيبتي "


* و هكذا قضت ماما على قصة حب طفولية و بريئة .. و عقّدت الأطفال - أحباب الله - منذ الصغر .. من فكرة " الحب "


** عندما قصت عليّ ماما هذه الحكيوة الطريفة وكانت عيناها تدمع من فرط الضحك.. كنت متجهمة.. لم أبد أي رضا عن وقع الحكاية الرائع.. لم أر ماما سوى جانية.


لكنها لم تكن الجانية الوحيدة في ذلك الموقف.. هي فقط تعاملت كونها جزءا من كل... موجة في بحر امتلأ بمياه الزيف والسوء.. هي لم تكن سوى فرد في مجتمع أصبح ينبذ كل ما هو بريء وطاهر.. مجتمع أصبحنا فيه نميل لرأي ابن حنبل "السلام ينقض الوضوء".


 أصبحنا لا نعيش بل نتعايش.. وشتان ما بين الاثنين.. نخشى أكثر مما نحب.. نهدر وقتنا في التفكير والحسابات متجاهلين متعة العفوية وبساطتها. فالحب الطفولي ذاك.. ارتدى ثوب العفة منذ فكّر طرفاه أن يتبادلا فيه الكلمات المكتوبة .. خط طهره بين سطور جواب يحمل من المشاعر الصادقة ما دفع هؤلاء للفزع لهذه الدرجة.


سينضج هذان الطفلان وبداخلهما "كولكيعة" كبيرة من فكرة الحب.. سيفقدان هم أيضاً براءة المشاعر.. وتتلاشى جرأة التعبير لديهم.. ولسوف ينغمسون قسراً في هذا المجتمع.. فتنصهر أفكارهم  وتختلط بمن حولهم .. وتصبح البيئة الفكرية مناسبة تماماً لانتشار فيروس التفكير الموسوس ذاك.. حيث لا شيء يعلو فوق فكرة "عيييييييييييييب".


?


#‏شكرا_يا_ماما


?#‏وما_ذنب_الأطفال؟