التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 03:04 م , بتوقيت القاهرة

قراءة في اختيار الزند.. لا تخرج قبل أن تكمل المقال

عجيب جدا قرار اختيار المستشار أحمد الزند وزيرا للعدل، بالنظر إلى عدة اعتبارات.


أولها أن وزير العدل يختلف عن رئيس نادي القضاة. من حق القضاة أن يختاروا ممثلهم كما يريدون، كما من حق الزملكاوية أن يختاروا رئيسهم كما يريدون. أما الوزير فهو وزير لجميع الناس. بمعنى آخر عقلية "زحف القضاة المقدس" لا تصلح للمنصب السياسي.


هذا يقودنا إلى ثانيها. السياق الذي أقيل فيه وزير العدل المستشار محفوظ صابر. والذي أقيل بسبب تصريحاته عن أبناء عمال النظافة الذين لا يحق لهم العمل قضاة. فكأنك "شلت ألدو وجبت شاهين".


أما ثالثها، فبعد الانتخابات البرلمانية يستطيع حزب فائز أن يأتي بمن يريد في المنصب الذي يريد، هذا قرار سيتحمل مسؤوليته. أما حكومة قادمة بلا انتخابات فليس من حقها عرفا أن تأتي بشخصيات مثيرة للجدل. وأنا هنا لا أنكر أن للمستشار أحمد الزند مؤيدين كثيرين جدا، وأنه وقف مواقف حاسمة في أوقات حرجة. لكن هكذا الأستاذ توفيق عكاشة أيضا. بغض النظر عن رأيك الشخصي فيهما، فلا أعتقد أن كثيرين ينكرون حقيقة أنهما يثيران ردود فعل متباينة جدا، بين التأييد الجارف والمعارضة الشديدة. وليس هكذا يُختار الوزراء ولا سيما في الحكومات "الانتقالية".


هل غاب هذا عن متخذي القرار؟


لا أظن.


طيب أومال إيه؟


هذا يعني أن هناك أسبابا قوية من الجهة الأخرى جعلتهم يتخذونه. دعينا نقول ضغوطا قوية من مؤسسة قوية، حساسة، مهمة سياسيا. ربما لم تعجبها طريقة إقالة المستشار. ربما أرادت تطمينات على أن السياسة التي أقيل بسببها "وزيرهم" السابق مستمرة كما هي. وأقصد السياسة التي تضمن لهم مصلحتهم الكبرى، رفاهية فلذات أكبادهم.


ومن أفضل من المستشار أحمد الزند ضمانا لهذا. الرجل صاحب تصريح الزحف المقدس من أبناء القضاة. قائد نادي القضاة الذي - تعريفا - مهمته الأساسية تقديم المزايا والخدمات للقضاة.


الدول التي لا تمارس الحكم الديمقراطي لفترات طويلة لديها وسيلة واحدة لممارسة الحكم، وتلك عن طريق مراكز القوى. وبالتالي تلك أكبر مشكلة تواجه كل رئيس جديد. أول سؤال سياسي وجودي. هناك طريقتان لا ثالث لهما أمام هذا الرئيس. إما المواجهة وهو ما فعله الرئيس أنو السادات في ثورة التصحيح، مدعوما بـ"شرعية ثورة يوليو"، و"لا صوت يعلو فوق صوت المعركة". أو المسايرة، كما فعل الرئيس حسني مبارك، احتياجا إلى كل المؤيدين، وذلك في مواجهة محاولة قلب نظام الحكم التي قام بها الإسلاميون عقب اغتيال سلفه. وفي مواجهة المقاطعة العربية والحال الاقتصادية المتردية.


لكن هل هذا دعم للزند بلا شك؟


كانت انتخابات نادي القضاة لتجرى في نهاية شهر مايو الجاري، ثم صدر حكم بتأجيلها. لو أجريت تلك الانتخابات أثناء وجود المستشار أحمد الزند في الوزارة فسوف يفقد حقه في الترشح لهذه الدورة على الأقل. وسيبتعد عن موقع مهم جدا في الوسط القضائي. وستكون لمنافسيه فرصة أكبر كثيرا ليحلوا محله. لو وضعنا هذا إلى جانب حقيقة أن الانتخابات البرلمانية ستجرى قريبا، وأنها ستشهد حكومة جديدة، سنتردد كثيرا في استخدام عبارة "بلا شك".


التاريخ لا يعيد نفسه. لكنه يقدم لنا إشارات للفهم، ودروسا سياسية. نحتاج إليه حتى لا تطير عقولنا من رؤوسنا، ونسيح في الشوارع بحثا عن إجابات إلهية لدى البشر والحجر.