التوقيت الثلاثاء، 07 مايو 2024
التوقيت 09:00 م , بتوقيت القاهرة

سقراط.. ابن "الداية" الذي ولد الأفكار (1-2)

ما الفضيلة؟ وما هي التقوى، وما هي الشجاعة؟ ماذا تعنى هذه الألفاظ؟.. تلك الأسئلة، التي ضايق بها سقراط مواطنيه بأثينا، مازالت قائمة حتى الآن، ومازالت تبعث على الحيرة والضيق، ويرغب القارئ أن يحصل من سقراط على إجابات لها، ولكن سقراط في أغلب الأحيان يبخل بها عليه، فالتساؤلات السقراطية تبدو للوهلة الأولى بلا هدف، سوى إرغام الآخر على الإقرار بالجهل.

وهو ما دفع معظم الكتابات، إلى وصف "أبو الفلسفة"، الذي ظهر في القرن الخامس قبل الميلاد، ليحول دفة الفلسفة من الاهتمام بالكون وتفسير وجوده إلى الانغماس في عالم الإنسان وأخلاقه وقيمه، بـ"الهدام"، الذي يطرح الأسئلة بلا هدف، سوى الفوز بأي محاورة.

ويرجع السبب في عدم فهم فلسفة سقراط، إلى غموض طريقة عرضه لأفكاره، فسقراط الذي ولد لأم تدعى "فيناريت"، كانت تعمل قابلة أو "داية"، رأى أن وظيفته الفلسفية لا تختلف كثيرا عن وظيفة أمه، فكانت وظيفتها توليد النساء وإخراج الأجنة من بطون أمهاتهم، وسقراط يولد الأفكار ويخرج المعاني من عقول الناس، وهدف التساؤلات السقراطية يتمثل في حث محاوريه على  تذكر ما يعرفونه مسبقا ولكنهم نسوه.

الفضيلة هي المعرفة

اعتقد "سقراط" بأن ارتكاب الأخطاء هو نتيجة للجهل، وأن من يرتكبون الأخطاء والشرور يفتقرون إلى معرفة الصواب، وهو ما يُطلق عليه "الحتمية العقلية"، والشيء الوحيد الذي ادعى "سقراط" باستمرار أن لديه معرفة به، هو  "حب الحكمة"، أي الفلسفة.  

لم يدع سقراط قط أنه حكيم، ولكنه أدرك المسار الذي لا بد أن يسلكه أي شخص محب للحكمة في سعيه وراء الحكمة.

ونجده يؤكد مرارا أن دوره في المحاورة، هو إرشاد  الشخص الذي يجيب عن أسئلته إلى تصور أوضح للحكمة، ولا يقدم "سقراط" نفسه على أنه مصدر للنظريات، ولكنه يعرف كيف يساعد الآخرين على وضعها، كما يعرف كيف يحدد ما إذا كانت هذه النظريات مجدية أم غير مجدية.

ولكن كيف يتم اكتساب المعرفة؟

يرى سقراط أن المعرفة ولدت مع الإنسان، الذي كان يعيش في السماء، قبل أن يتدنى وينزل إلى الأرض. ويعتقد أن حياة الإنسان على الأرض هي محاولة لإعادة تذكر ما كان يعرفه في السماء، بشرط أن يتخلى عن رغبات جسده، ويعلو بسماته الروحية ليتقرب من العالم السماوي، ويبتعد عن عالم الأرض المليىء بالرغبات الجسدية التي لا تنتهي.

السيطرة على رغبات الجسد طريق المعرفة

عمل سقراط في بداية حياته، في مهنة والده، النحت، مكتفيا بعيش بسيط، برفقة "زانتيبي"، زوجته، التي كانت تصغره في السن بكثير، وأنجبت منه 3 أبناء.

وكان سقراط غاية في سوء الخلقة، أنف أفطس، وبطن كبير، وملابس بالية، يسير حافي القدمين في شوارع أثينا كلها، ويقارن تلميذه "القبيادس" في نهاية محاورة "المأدبة"، بين (قبح) سحنة سقراط العجوز، وبين جمال أخلاقه، مشبها إياه بالتمثال الدميم الذي يخفي خلفه إله جميل.

كان سقراط يتعرض لنوبات غريبة من الغيبوبة يتصلب فيها جسده. فذات صباح، في أثناء تأديته الخدمة العسكرية، كان يفكر في شيء لم يصل فيه إلى رأي، فظل واقفا على قدميه دون حراك يفكر في القضية التي تشغله من أول الفجر حتى فجر اليوم التالي.

ومعروف عن سقراط قوة تحمله للجوع وللبرودة، حتى أن تلميذه "القبيادس"، زعم أنه مشى حافي القدمين على الثلج، لا يرتدي إلا ثيابه العادية الرثة.

وبصفة عامة كان لسقراط سيطرة كاملة على جسده، فقلما شرب خمرا، وإذا شرب لم يستطع أحد أن يجاريه في الشراب، على أن أحدا لم يشاهده مخمورا.

وكان في أمور الحب مثاليا مهما اشتدت به أسباب الإغراء، ومهدت هذه السمات الشخصية لسقراط، سواء نظريته في المعرفة أو تحكمه في شهوات جسده، الطريق للمدارس التي خرجت من عباءته كالرواقية والكلبية.

فالرواقيون يرون أن الفضيلة هي عمل الخير، وأن مهمة الإنسان هي المحافظة على فضيلته الفطرية، التي لا يمكن نزعها منه بعوامل خارجية. في حين أظهر الكلبيون تمسكهم بفلسفة سقراط في احتقار ملذات الحياة، فحرصوا على اجتناب أسباب الترف والرفاهية في الحضارة الإنسانية.