التوقيت الثلاثاء، 23 أبريل 2024
التوقيت 06:39 م , بتوقيت القاهرة

هل يتعارض سن اليأس وإيثار الغير مع التطور؟

إذا كنت أحد دارسي علم الأحياء التطورية، أو من المهتمين بعلوم التطور، فلا بد أن مصطلح "اللياقة البيولوجية" قد مر بك، وهو ما يعرف بقدرة الكائن على النجاة والتكاثر، أي أن صفة تزيد من قدرة الكائن على النجاة والتكاثر سيتم تمريرها من جيل إلى آخر، بينما يتم إقصاء الصفات التي تقلل اللياقة البيولوجية.


لكن ذلك المفهوم يجعل ظاهرة انقطاع الإنجاب، التي تعرف بـ"سن اليأس" لغزا يتعارض مع التطور، لأنها تقلل من قدرة الكائن على التكاثر، كذلك يظهر السلوك الإيثاري أو تفضيل الغير على النفس، وكأنه خطر يقلل من فرص النجاة، وبالتالي يقلل كذلك من اللياقة البيولوجية.


 


حيتان الأوركا تدعم "نظرية الجدة"


أوضحت دراسة حديثة تتبعت حيتان الأوركا القاتلة، قام بها باحثون في جامعة إكستر البريطانية، أن وفاة الأم يزيد من احتمالية وفاة أبنائها الذكور البالغين بنسبة تصل لثلاثة أضعاف، بل عندما تتوفى الأم بعد أن يتخطى أبناؤها عمر الثلاثين، فإن احتمالية وفاتهم تزيد لثمانية أضعاف.



وتعد حيتان الأوركا أحد الثدييات القليلة التي تمر إناثها بسن اليأس كالبشر، فيما لم تكن الطريقة التي تساعد بها حيتان الأوركا أبنائها واضحة، حتى كشف "دارين كروفت"، القائم على الدراسة، أن الأمهات الأكبر سنا تقود مجموعاتها وأبناءها إلى مواقع الصيد الغنية بأسماك السلمون التي تشكل الغذاء الرئيسي لتلك الحيتان، وهي بذلك تضمن نجاة أبنائها وانتشار جيناتها.


وتدعم "نظرية الجدة" التي تفسر سبب تفضيل الانتقاء الطبيعي لظاهرة "سن اليأس"، بأنها تتيح فرصة للأمهات للاهتمام بأبنائها وزيادة فرصة نجاتهم، وبالتالي زيادة لياقتها البيولوجية وانتشار جيناتها.


 


الإيثار يتبع نفس الآلية


يبدو السلوك الإيثاري للوهلة الأولى مضرا للفرد، وهو ما يتعارض مع آلية التطور، حيث يفترض أن تتخلص آلية الانتقاء الطبيعي من تلك الصفات والسلوكيات التي تضر بالفرد وتقلل لياقتها البيولوجية، لكن الآلية السابقة التي  تفسر الفائدة التي تعود على إناث حيتان الأوركا من خلال انقطاع قدرتها على الإنجاب، بإمكانها أيضا توضيح تناسق السلوك الإيثاري مع آلية التطور.



على سبيل المثال حين يصرخ أحد قرود الفرفت الإفريقية لتحذير رفاقه من اقتراب مفترس، فإنه يزيد من خطر افتراسه، لكنه أيضا يزيد من من احتمالية نجاة أقربائه وأبنائه الذي يحملون بالأصل نفس جيناته، وبالتالي تزيد لياقته البيولوجية وانتشار جيناته، وهو ما وضحه عالم الأحياء التطورية المرموق "ريتشارد دوكينز"، في كتابه الشهير "الجين الأناني".