التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 12:31 م , بتوقيت القاهرة

في "الخباء".. كيف تدمر "المرأة" المجتمع؟

دأب الأدب النسائي العربي، منذ نشأته، على تحميل الرجل مسؤولية المشكلات الاجتماعية التي تعانيها المرأة، الرجل أبا وأخا وزوجا، وابنا، يظهرون متكالبين على استغلال المرأة وانتهاكها، وإلغاء كيانها والتحكم فيها... الخ. ولكن ــ قطعا ــ لا يمكن للرجل أن يكون مسؤولا وحده عن ذلك.


في عام 1996، نشرت الأديبة المصرية، الإخوانية سابقا، "ميرال الطحاوي" روايتها الأولى "الخباء"، شارحةً واقع المرأة في المجتمع البدوي المصري، الذي نشأت فيه الأديبة، واستمدت منه أدواتها الروائية، وألقت الضوء على ذاك التساؤل المهم: ما حجم مسؤولية المرأة عن تدهور دورها الاجتماعي؟ وعن تدهور المجتمع تبعا لذلك؟


ورغم أن لـ"الخباء" بطلة صريحة، هي الطفلة البدوية "فاطمة"، إلا أن شخصية "الجدة حاكمة" لا تقل عنها أهمية ومحورية، بل إنها فاقتها تماسكا ووضوحا، وقدرةً على ترك الأثر الأعمق لدى القارئ، ربما لكونها أكثر حضورا وتكرارا في الواقع.


"هي الآن تدخل، يفتحون لمقدمها الباب الكبير، ويقف الجميع بانتظارها، نحيفة، فمها تبرق فيه الأسنان المذهبة فيصبح مثل فم الغولة... أرقبها من بعيد، لا أحبها، فإن عصاها التي تنخز بها الفرس سوف تدفسها في كل شيء، في صوان إخوتي، في دواليب الكرار، في جرار السمن والجبن، فضلا عن مخابئ الخزين وعريشة الطيور، وستعد بيض البط الذي فقس، والحمام الذي زغب...".


كيف تترسخ السلطة الاجتماعية للرجل دون امرأة تغرس في الأجيال المتتابعة تلك "القيم" الذكورية؟ مستحيل! في "الخباء" يروح والد "فاطمة" في ترحال دائم، ويترك لأمه "حاكمة" مهمة إدارة بيته، والتحكم في زوجته وبناته، مرتديةً عباءته الرجالية، ومتحدثةً بلسانه ولسان قيمه المحتقرة للمرأة ولـ"خلفة السوء"، فمثلا، يأتي خاطبان لابنتيه في غيابه، وتسعى لإقناعه بتزويجهما رغم كبر سن أحدهما، وصغر سن ابنتيه:


"ــ خلفة السوء التي ابتليتني بها جاءته الأكفان وأنت هارب في الفجاج.


ــ مازلن صغارا.


ــ قيدها بقيد حديد وارميها في بيت سعيد.


ــ من جاءك؟!


ــ عيلة مجلي، منازع وولده نايف.


ــ لمن؟! "منازع" سقط سن فكه!


ــ اقبرهن قبل أن يقبرن سيرتك وفضائلك.


ــ صافية؟!


ــ و"فوز".. الولد وأبوه.


ــ وهل أجبتِ سائلهم؟!


ــ وهل يُرد؟! قيدها بقيد حديد وارميها في بيت سعيد، والله بيت فيه كل هذه الزرايا بيت مشؤوم، طيّر الطيرة الغبرة حتى يخلف الله عليك بالولد يا وليدي...".


وفي هذا المحيط تنشأ فاطمة، الصغيرة المتمردة التي تسعى طوال الوقت للهرب، ماديا ومعنويا، تتسلق الأشجار بحثا عن منفذ يأخدها إلى الحياة، وتختلق شخصيات وخيالات وعفاريت تحاورهم وتهرب بمساعدتهم من واقعها البائس.


وفي أثناء تسلقها للأشجار تسقط فتنكسر ساقها وتصاب بعرج دائم، يدفع سيدة أجنبية باحثة في البادية "آن" للتعاطف معها وتطبيبها وتعليمها، رغم اعتراضات الجدة حاكمة، لكنها تتعلم ثلاث لغات، وتصبح مصدرا للحكايات والمجاريد البدوية التي يحبها ضيوف السيدة.



"ظلت آن تملأ أوراقها وتسألني فأرفض الإجابة، سئمت، اكتبي.. كتبتُ عن "موحة" و"ساسا" و"سردوب"، عن أمي و"صافية"، عن "دوابة" وتعاويذها، سئمت. أنا لستُ ضفدعة في بلورة تتفرجين عليها.. أنا فاطم يا "آن" لحم ودم.. انظري للعباءات التي ضاقت على جسدي، لا تصفقوا لفاطم العرجاء.. أنا لن أغني، لن أهنهن بالمجاريد، ولن أرطن بأية لغة، فقط سأنوح مثل الغربان المشؤومة..".


ومن ثمَّ تعود إلى بيت أبيها لتجد الأمور على حالها.


"البيت مازال كما هو، مزيد من الفُرش قد ملأت البيت وحجراته، سماوات ابنة "دوابة" كبرت.. لم يتغير شيء رغم كل ما تغير، أدخل غرفتي، الفراش، النوافذ، الأرض الخشبية، البرج، الصوامع في الركن....".


تنتمي "الخباء" لتيار الوعي، الذي تخرج فيه الرواية عن المنطق السردي في ترتيب الأحداث وتسلسلها، كما أنها ذات طبيعة مخالفة لطبيعة الروايات الكلاسيكية، من حيث التكنيك، فموضوع الرواية في تيار الوعي هو العالم الداخلي للشخصية ووعيها، ما يفرض شكلا معينا يلائم طبيعة هذا الوعي. فتتحرك الأحداث أفقيا، وتقفز حسبما تسترجعها الذاكرة، وتتجاور دون توظيف محكم في السياق الدرامي.


كما تتحرر الرواية من أسر التقاليد القديمة كالحبكة والعقدة والحل، التي لم تعد ملائمة للتعبير عن الحياة الداخلية للشخصيات، فالجانب الأوضح في الرواية هو الجانب النفسي، وتبرز فيه سيطرة مشاعر الغربة والمعاناة جراء غياب التواصل مع الآخرين.


للتواصل مع الكاتبة