التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 05:10 م , بتوقيت القاهرة

"البهلوانية التركية" بين إيران والسعودية

تثير بوادر التغيير التي طرأت على السياسة الخارجية السعودية قلق العديد من المراقبين والقوى الإقليمية الموجودة بالمنطقة؛ نظرا لما سيؤدي إليه هذا التغيير من تحالفات جديدة سيكون لها انعكاساتها الجيوسياسية على المنطقة العربية والشرق أوسطية.

تلك البوادر ظهرت بشكل واضح من خلال الزيارة التي قام بها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للمملكة العربية السعودية، والتي تزامنت أيضا مع زيارة قام بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للرياض، وهو ما فسره بعض المراقبين برغبة الملك سلمان في إقامة تحالف "سني" يواجه توسع النفوذ الإيراني المتزايد، خاصة في ظل انهيار العديد من النظم السياسية في المنطقة.

بهلوانية أردوغان

يقول محلل الشؤون العربية بصحيفة "هاآرتس"، تسفي برئيل، إن إردوغان قد لا يكون مسرورا من تحالفه مع السعودية لأن هذا التحالف سيأتي على حساب الكثير من الاستراتيجيات التركية التي اتبعتها خلال الفترة الأخيرة.

وأوضح برئيل أن الاتفاق مع السعودية يمكن أن يضع أردوغان في خيار بين علاقته بالسعودية وانضمامه للتحالف السني، وبين التضحية بعلاقات تركيا المتطورة مؤخرا مع الجانب الإيراني، العدو اللدود للسعودية، إضافة إلى ضرورة اتخاذه سياسات أقل حدة تجاه مصر، العدو اللدود لأردوغان، لأن التحالف السني لا يمكن أن ينجح دون ضم دولة بحجم مصر، ويشير الكاتب والناشط السياسي الأردني، هشام الهبيشان، في مقال له بصحيفة "رأي اليوم" اللندنية، إلى ضعف احتمالية نجاح الحلف السني الذي يسعى إليه الجانب السعودي، نظرا لتداخل وتشابك المصالح المصرية – التركية وتعارضها في كثير من الملفات الإقليمية والدولية.

ويقول المحلل السياسي وخبير شؤون الشرق الأوسط، بنده يوسف، في تصريحات ل"دوت مصر"، إن التقارب التركي السعودي لا يتنافى مع العلاقات القوية بين تركيا وإيران، لأن هذا التقارب في أساسه غير مبني على أسس أيديولوجية، بل قد يأتي نظرا لتعانق المصالح التركية والسعودية في دول مثل العراق وسوريا واليمن، لكنه لن يتطور إلى حد يسمح بالإضرار بالعلاقات التركية الإيرانية، خاصة وأن تركيا وإيران في حاجة إلى بعضهما البعض بسبب ملفات الطاقة والمعابر وغيرها، لافتا إلى العلاقات والتعاون بين البلدين في ظل العقوبات التي فرضتها أوروبا على الجانب الإيراني، على الرغم من عضوية تركيا في حلف الناتو.

معارضة تركية

التحالف أو التقارب التركي السعودي، أثار غضب العديد من المحللين والمراقبين الأتراك، وفي هذا الصدد كتب خبير القانون الدولي والمحلل السياسي التركي، مراد يتكين، محذرا الرئيس التركي من مغبة اتخاذ أي خطوات أحادية الجانب من شأنها أن تضر بالعلاقات بين تركيا وإيران، مذكرا إياه بأن التحالف السني العربي سيضر بعلاقات أنقرة وطهران، وضرورة عدم إغفال حقيقة واضحة وهي أن المعركة الدائرة في الشرق الأوسط، هي في الأساس ضد تنظيمات "سنية".

بهلوانية عسكرية

وتتضح البهلوانية التركية، في إعلان وزير الدفاع التركي، عصمت يلماز، أن تركيا سترسل معدات عسكرية للعراق من أجل تحرير الموصل من سيطرة داعش، وبعدها أعلن رئيس الوزراء، أحمد داوود أوغلو، أن تركيا "لن تشارك بشكل رسمي في الحرب ضد داعش" وهو الموقف الذي يبدو متناغما مع رفض تركيا السماح لقوات التحالف باستغلال مطاراتها في ضرب داعش، وقرارها بشأن تدريب المعارضة السورية، الذي تناقض مع مصالح طهران ويتناغم مع المصالح السعودية.

ويشير الكاتب الصحفي، أيمن الحماد، في مقال بصحيفة الرياض السعودية إلى أن التحالف بين أنقرة والرياض سيؤدي إلى مقاربة لا تلتقي مع وجهة النظر الإيرانية التي تشعر أنها تمسك ببعض خيوط المنطقة، على الرغم من الزيارة التي قام بها الرئيس إردوغان إلى طهران، والتقى خلالها المرشد علي خامنئي والرئيس حسن روحاني، إلا أن إيران تدرك -كما تركيا- أن البلدين لا يمكن أن يصبحا حليفين مهما بلغت درجة التقارب. وأوضح حماد، أن الواقع والمعطى السياسي والثقافي والتاريخي لا يؤهلان لقيام هكذا صفة سياسية يمكن أن تطلق على علاقة أنقرة بطهران.

أردوغان  وجه وآخر

وفي سياق تغيير الوجوه الإردوغانية، أشار الكاتب الصحفي في صحيفة زمان التركية، عمر نورالدين، إلى دراسة صادرة عن مركز البحوث السياسية والاجتماعية التركي "سيتا" وضعها جوقة من الباحثين المقربين من أردوغان قبل لقاءه بالملك سلمان، وقالوا إن تغيير الملك وانتقال الحكم للسديريين، سيشكل فرصة سانحة لأردوغان للتقرب مرة أخرى إلى السعودية بعد قطيعة دامت لأكثر من 20 عاما.

وقال نور الدين، هل يعتقد أردوغان وجوقته أن حكام الخليج لا ذاكرة لهم لكي ينسوا الشتائم والاتهامات التي وجهها لهم إردوغان بسبب دعمهم لوصول الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى سدة الحكم، مشيرا إلى أن السياسات التركية تعتمد في أساسها على تغيير الأقنعة بين عشية وضحاها بحسب ما تقتضي المصلحة التركية، أو بالأخص مصلحة حزب العدالة والتنمية، الحاكم في تركيا.