التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 10:06 م , بتوقيت القاهرة

القوى الإقليمية.. والحب من طرف واحد

مصاب بعض أبناء الوطن العربي بداء الحب من طرف واحد لإحدى القوى الإقليمية، فينحاز البعض ويتعصب للجمهورية الإسلامية الإيرانية، بينما البعض الآخر يولي قلبه شطر الخلافة العثمانية، وهذا مرض عُضال، كفى الله القراء شره، ما يتمكن من قلب الفرد، إلا وينعكس على كامل الجسد والمنطقة بالوهن والضعف.


الأهم أن الدولتين الإقليميتين لكل منها مشروعها الخاص، ولا نعترض على أن يكون لكل دولة مشروعها هذا حقها، لكن الإشكالية أن كلا المشروعين لا يقومان إلا على أشلائنا، صحيح أن كل اللوم يقع على الدول العربية التي فشلت في التوحد ولو على مستوى الرؤية والأهداف، بحيث تُشكّل نظاما عربيا قويا قادرا على جمع شمل أبنائه وتوحيدهم في دعم الأهداف الكبرى، بل على العكس تقهقرت كل الأهداف الكبرى وتراجع النظام مفسحا المجال للقوتين الإقليميتين للاتجار بقضايانا، وتصدرا المشهد، وجذبا لمشاريعهما جمع لا يستهان به من أبناء العروبة.


وإنه لمن الطرائف أن تجد كل فريق يسخر من الآخر ويتهمه بالخيانة والعمالة، بينما يبرر مواقفه ويمجد لاستعادة إمبراطوريته أو خلافته، ويُسبح بحمد زعامته الروحية أو السياسية، مشيطنا الآخرين، ومن نافلة القول إن الانتماء المذهبي هو ما يحكم ويحدد انحياز هذه الفئة لأي من الطرفين.


لكن صوت صدى التاريخ يقول إن كلا الإمبراطورتين حين يشتد عودها لا تعود تقيم للاعتبارات المذهبية وزنا وتنحاز عرقيا، فأنصار العثمانيين الذين يتوقون للخلافة يتناسون أنه كان احتلالا، وقعت فيه من المجازر والمظلوميات بحق كل الأعراق الأخرى ما وقع، من عرب وكرد وأرمن رغم اتساق البعض مذهبيا مع دولة الخلافة. وما تفعله إيران مع عرب الأهواز اليوم دليلا معاصرا، وهنا مربط الفرس بغض النظر عن مذهبهم.


كل له الحق أن يختار ويولي وجهته حيث شاء من الهوى، لكن هناك من الأمور ما ليس وجهة نظر، فحين تنحاز لقوى تعمل على تدمير وطنك وتتآمر عليه سرا وعلانية، فالأمر لم يعد وجهة نظر وحرية اختيار، وفي كل الأحوال وعلى أقل تقدير لا تنتقد الآخر الذي يشبهك كثيرا بمواقفه، الفارق الوحيد أنه ينحاز للقوى الأخرى، وكما لك مبرراتك التي تراها منطقية فلهم مبرراتهم، وكما تراهم في نظرك وتسقط عليهم من التهم والأوصاف، يجب أن تعلم جيدا أنها تنطبق عليك أيضا.


ستبقى المفاجأة أن حب أي منكما سيبقى حبا من طرف واحد أبد الدهر، حب يستنزفك. لم يحباكم ولن يفعلا، وسيسعيان لبناء إمبراطوريتهما على أشلائكم بعد استغلالكم، حينها لن ينفع الندم.


أما نحن فسننحاز للنظام العربي ونبقى نحاول استنهاضه للمقاومة وبناء مشروع ممانع ولو بقينا وحدنا.