التوقيت السبت، 20 أبريل 2024
التوقيت 04:35 م , بتوقيت القاهرة

ماذا تبقى من ثورة يناير ؟

<p>يبدو هذا السؤال مشروعًا عند الحديث عن مصر الجديدة، التي حددت ملامحها خارطة المستقبل التي مثلت شرعية النظام السياسى الجديد، فالفوضى التي تَشَاركَ في صناعتها الإخوان والمجلس العسكري السابق، صنعت مناخا جعل انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي مسارا إجباريا للدولة المصرية، التي بدت مُهددة في وجودها، بعد أن توعدها الإخوان وباقي المجموعات المتحالفة معها، دولة لم يؤمنوا بها يومًا، ومثلت لديهم مرحلة يقبلون بها على مضض في طريق مشروعهم الغائم.</p><p>حملت 25 يناير شعار الشعب يريد، باعتباره منطوقا يكشف أن الشعب يريد، وإذا الشعب يومًا أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر، ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر، <span style="color:#FF0000;">فهل استجاب القدر وهل انكسر القيد وهل انجلى الليل؟ </span>أم تسللت إلى أيامنا ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج المرء يده لم يكد يراها.</p><p>علمنا الآن نحن من شارك ثوار يناير وثوابتهم المباركة في مثل تلك الأيام منذ أربعة أعوام، تغيّرت فيها أشياء كثيرة أهمها مزاج شعب منهك حتى النخاع، كفر بكل مفردات الثورة التي تم شيطنتها في الوعي الجمعي، بمخطط تعاونت على تنفيذه مؤسسات ظلت أمينة على مصالحها الضيقة ومصالح من اختارها، دون النظر لهذا الشعب الذي ظل يريد دون أن ينتبه لإرادته أحد، علمنا أن التثوير حين يسبق التنوير ينتج ما نحن فيه الآن من فوضى في الأفكار والسياسات  </p><p>ثورة بلا قيادة وبلا مفكرين ومنظرين، وبلا وعي يسبق الحركة، لا حركة تدهس الوعي في طريقها فتتبدل المفردات والمعاني بمعاني زائفة، فتصبح الثورة مؤامرة ويصبح الحديث عن مطالب الشعب وحقوقه فتنة تفتح الباب لاحتراب أهلي، وتهديد دولة غابت روحها منذ عقود، فتحولت إلى كائن ضخم لا يشبع من الدماء والأشلاء من أرواح بنيه، حرصا على وجوده الذي انفصل عن وجودهم، فأصبح المصريون بين مجاذيب دين لم يعرفوا مقاصده، ومجاذيب دولة وظفوها لخدمة أهدافهم المجرمة.</p><p> وفي المنتصف تاهت بوصلة المصريين، فلم يعد هناك أحد يتحدث عن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والاستقلال الوطني وكل أهداف ثورة يناير، التي تحولت في وعي النظام إلى حدث يحتفى به رمزيا على طريقة عيد العلم أو عيد الأم، يوم واحد في السنة ترتفع فيه الحناجر بالمدح أو حتى بالقدح لا مشكلة، ثم تغيب القضية طوال العام فلا نرى لها ظلا في سياسة أو مسلك أو قرار.</p><p><span style="color:#FF0000;">هل هي صدفة أو خطأ غير مقصود أن تقتل شيماء الصباغ</span> وهي تحمل باقة ورد لثرى ميدان التحرير، الذي حمل إشارة تغيير لازال الشباب متمسكون ومؤمنون به كإيمانهم بذواتهم وحلمهم في الحياة؟ هل صوبت الرصاصة إلى قلب شيماء أم إلى قلب الثورة؟ كرصاصة يعتقد من أطلقها أنها الرصاصة الأخيرة التي ستردي الثورة قتيلة، بعد أربعة أعوام من النفاق الرخيص والصبر المر على من هددوا عرش الطغيان، وحاولوا تغيير قواعد اللعبة ليكون الشعب هو السيد بصدق، ليس على طريقة نصوص دستور لم يحترمه نظام حاكم حتى اليوم.</p><p> بعد أن وصلنا الآن إلى نظام  يحكم دون أي رقابة شعبية بغياب البرلمان، بل وصمت القضاة عن انتهاك مواد الحقوق والحريات، في وقت يرتفع فيه شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، في إشارة إلى الحرب على الإرهاب التي هى معركة حقيقية بلا ريب تستلزم رص الصوف وتقوية البناء الداخلي، وليس توسيع دائرة الأعداء ليتحول كل الشرفاء في هذا البلد إلى مقاتلين قد يحملون السلاح، مادام عصب النظام لم يعد يحتمل حتى أطواق الورد تلقى على ضريح الثورة، التي تضم جسدا حيا بالمناسبة قد ينهض من بين الركام على عكس ما تصور نظام مبارك في لحظة نشوة بسلطة أعمته، فقال "خليهم يتسلوا".</p><p> لا أتصور أن الشباب اليوم مولع بالتسلية فقد شبع منها عبر أجهزة حاسوب قتلها لعبا وتسلية وهو غض صغير، لكنه قد يلعب هذه المرة بشكل مبدع ومفاجىء كالعادة، كم ناشدت عقل النظام أن يمضي مع البوصلة الوطنية ولا يستسلم للقواعد والمصالح القديمة، إبقاء ما يجرى في البلد كصراع بين جماعة تحركها لوعة فقد الحكم، ودولة تستحضر نفس وسائلها القديمة، لا ينتج سوى أوضاعا يصح فيها قول الشاعر نصر بن سيار: أرى تحت الرماد وميض نار ويوشك أن يكون له ضِرام.</p><p> </p><p> </p><p> </p><p> </p>