التوقيت الأربعاء، 24 أبريل 2024
التوقيت 10:35 ص , بتوقيت القاهرة

هل يكون 2015 عام فطام الدولة للشعب؟

مستقبل مترو الأنفاق في مصر - لو استمر على هذه الحال - نستطيع أن نراه في حاضر قطارات السكك الحديدية، التي نشتكي منها جميعا. لماذا نشتكي منها؟ لأنها أديرت بطريقة تقدم الغرض السياسي على الأرقام.


رفع أسعار تذاكر المترو إجراء ضروري. يمكن التقليل من مشقته بخصومات لفئات معينة كالطلاب وكبار السن.


الغرض السياسي كان ولا يزال إظهار الدولة في صورة الأب القادر على كفالة كل أبنائه. كل دولة انعكاس للنمط العائلي الشائع في مجتمعها (الأسر تكفل أبناءها حتى يصير لهم هم أسر!!). لكن هذا غرض مستحيل التحقق، أو يمكن تحقيقه على حساب تدهور كل شيء في حياتنا، إذ الأرقام ليست في خدمة أحد. المشاريع الحكومية الخاسرة معناها الحسابي الوحيد اللجوء إلى الديون لسد العجز، وتحول كل مشروع، كل مشروع، خدمي تتبناه الدولة إلى منحنى هابط، يبدأ في نقطة وينتهي في الحضيض.


مشكلة مصر أن الغرض السياسي المشار إليه أعلاه ليس غرضا انتهازيا للسلطة السياسية وحدها، بل غرض انتهازي للمعارضة الحالية أيضا، وللخطاب السياسي الشائع، الموروث من عهود الاشتراكية. بل إن الدولة منذ عهد السادات تحاول أن تتقدم بالمبادرة في مجال الاستثمار، لكنها مبادرات مترددة، تنهزم أمام شيئين:


1- معارضة حنجورية لم تتعرض شعاراتها الاشتراكية المشار إليها أعلاه لاختبار عملي حقيقي.


2- عجز الدولة نفسها عن التحديث الإداري، والتحديث الإداري شرط أساسي لتقليص الفساد الحكومي. العجز قد يكون لغياب الرغبة السياسية، وتفضيل أن يظل الشعب لصيقا بثدي الدولة، أو - ببساطة - لأن السياسيين يفتقدون إلى التمرس في العمل السياسي قبل الوصول إلى مناصب سياسية، يفتقدون إلى مهارات السياسة.


والنتيجة أن الفساد الحكومي، الموجود أساسا، على كل المستويات، من أول الموظف الكادح صاحب التبريرات إلى الموظف الكبير حافظ اللوائح خارق القوانين، يجد مع كل خطوة انفتاح استثماري فرصة جديدة لفساد أكبر. يتحول الفساد اليومي الأشبه بتسرب الماء من صنبور عطلان، إلى فساد خبطات وصفقات، أشبه بانفجار ماسورة.


الأول يبدو أهون لكنه خداع ويغري بالإهمال. والثاني يبدو كارثة لكنه قد يلفت نظرنا إلى إصلاحات جذرية.


والنتيجة أيضا أن تفاقم الفساد يعطي مزيدا من الوقود للخطاب المناهض للاستثمار. وهو الخطاب الذي يتبناه كل من المعارضة الاشتراكية الحنجورية، وأي سلطة راغبة في استمرار مركزية الإدارة والحكم. وبالتالي مزيد من التعطيل للإصلاح الديمقراطي، المرتبط أساسا بتنوع النفوذ الاقتصادي وعدم تركزه في يد الدولة.


لن يكون هناك إصلاح - اقتصادي وديمقراطي - إلا بقرارات صعبة، وتلك بدأها الرئيس عبد الفتاح السيسي في العام المنصرم بقرار شجاع برفع جزئي للدعم، لكننا في حاجة إلى مزيد ومزيد منها.


والآن، رفع أسعار تذاكر المترو إجراء ضروري. يمكن التقليل من مشقته بخصومات لفئات معينة كالطلاب وكبار السن، مع إلغاء الإعفاءات التي يحصل عليها الجهاز العدلي والتي يحصل عليها الصحفيون وغيرهم من الفئات القادرة على تحمل ثمن تذكرة المترو. يمكن أيضا أن ترتبط أسعار التذاكر بوقت استخدامها من اليوم، بحيث تكون أغلى في أوقات الزحام. لتشجيع الناس على تجنب استخدام المترو في وقت الذروة.


أسعار تذاكر السكك الحديدية يجب أن ترتفع هي الأخرى. أو - كبديل لذلك - يتاح لشركات القطاع الخاص الاستثمار في مجال النقل بالقطارات. بحيث تقدم خدمة أفضل بأسعار أعلى. ويمكن للمواطنين أن يختاروا بين خدمة الدولة - رخيصة الثمن - وبين الخدمة المقدمة من القطاع الخاص. وما يسري على النقل الحديدي، يسري على النقل الجوي.


تحت كل حجر في بناء مصر الاقتصادي المنهار هناك فرصة للاستثمار. لكن الاستثمار يحتاج إلى قرارات ناضجة. وأول مراحل النضوج الفطام. الذي يختلف كليا وجزئيا عن "التخلي" والهجر.


كل سنة والجميع بخير، وينعاد عليكم وعلينا بالصحة والسعادة.