التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 09:12 ص , بتوقيت القاهرة

كيف سيكون مستقبل الأديان مع تصاعد الإلحاد حول العالم؟

ترجمة- محمد سيد عبدالرحيم:

يتزايد عدد من لا يؤمنون بإله ولا يؤمنون بحياة بعد الموت ولا بدين محدد حول العالم، بل ونجد أن عدد من يقومون بالإعلان عن إلحادهم يتزايد في بعض البلاد، فلم يعد الأمر مؤخرا كما كان في السابق شيئا يدعو للإخفاء أو يتحرج الإنسان من التصريح به، وفي هذا السياق طرحت "بي بي سي" في تقرير لها سؤالا.. هو هل ستختفي الأديان من العالم وفقا لهذه المعدلات؟

الملحدون أكثر من أي وقت مضى

نقلت "بي بي سي" عن الأستاذ فيل زوكرمان قوله "بالتأكيد يوجد الآن ملحدون حول العالم أكثر من أي وقت مضى"، وبالرغم من أن الملحدين لا يشكلون أغلبية، لكن هل معنى هذا الصعود أنهم من الممكن أن يكونوا أغلبية يوما ما؟؟ وأن يختفي المتدينون والأديان من العالم في المستقبل؟؟ وفقا لاستطلاع أجراه مركز استطلاع الرأي "جالوب" على أكثر من 50 ألف شخص في 57 دولة، فإن نسبة من قالوا إنهم متدينون انخفضت من 77% في 2005 إلى 68% في 2011، بينما ارتفع معدل من قالوا إنهم ملحدون بنسبة 3%، مما رفع نسبة غير المؤمنين في العالم إلى 13%.

أسباب الإلحاد

يحاول الباحثون أن يتعرفوا على العوامل المعقدة التي أدت بالأفراد أو الأمم إلى الإلحاد، خاصة أن الأديان تجذب الإنسان بطبيعتها، حيث تقدم الأمان في عالم غير آمن، ولذا لا نندهش حينما نجد أن الأمم التي تحمل أكبر معدلات الملحدين هي الأمم التي توفر لمواطنيها قدرا كبيرا من الاستقرار الاقتصادي والسياسي والحياتي، ومثلما يقول زوكرمان "كلما أصبح المجتمع أكثر أمانا كلما تراجع الإيمان بالأديان، ويبدو أيضا أن الرأسمالية وتطور التكنولوجيا والتعليم تتماشى إيجابيا مع تراجع التدين في بعض المجتمعات".

وتضيف الإذاعة البريطانية أن الدول التي يغلب على مواطنيها الأصول الأوروبية كبريطانيا وكندا وكوريا الجنوبية وهولندا والتشيك وإستونيا وألمانيا وفرنسا وأوروجواي تراجع فيها أهمية الدين، وجدير بالذكر أن هذه الدول تشهد درجة عالية من التعليم ومن نظم الأمن الاجتماعي، ونسبة منخفضة من التفاوت الاجتماعي، وارتفاع نسبي في معدل الدخل.

انخفاض معدل الإيمان ظاهرة عالمية

إلا أن انخفاض معدل الإيمان هو ظاهرة عالمية أصبحت تنتشر حتى في الدول المشهورة بالتدين مثل البرازيل وجاميكا، وزوكرمان يستدرك قائلا "توجد استثناءات.. حيث ارتفع معدل الإيمان في بعض الدول عما كان عليه منذ 40-50 عاما، كإيران على سبيل المثال، ولكن هذا أمر محل بحث بسبب أن الناس الذين ينتمون إلى العلمانية ريما يخفون إيمانهم بسبب القمع الذي قد يطولهم من إعلان عدم إيمانهم"، وجدير بالذكر القول إن الولايات المتحدة أيضا تنفي فكرة تماشي التقدم مع الإلحاد، فبالرغم من أنها تعتبر أقوى اقتصاد في العالم إلا أن معدلات التدين فيها عالية.

أسباب لجوء الناس للدين

وفي سياق تفسير سبب لجوء الناس للدين، نقلت الإذاعة البريطانية عن عالمة النفس الاجتماعي أرا نورينزين قولها "الناس يريدون أن يهربوا من المعاناة، ولكن إذا لم يستطعوا أن يهربوا منها يحاولون الوصول إلى معنى لهذه الحياة، وهذا ما يقدمه لهم الدين، أي يقدم مغزى للمعاناة التي يعانونها في الدنيا"، ففي عام 2011 مثلا حدثت هزة أرضية قوية في إحدى مناطق نيوزيلندا والتي كان يعيش فيها مجتمع على درجة كبيرة من العلمانية، ولكن نتج عن هذا الزلزال ارتفاع مفاجئ في نسبة إيمان من يعيشون في هذه المنطقة التي وقعت فيها الكارثة فقط، بينما بقية البلاد لم تتغير فيها نسبة الإيمان.

وتؤكد "بي بي سي" أنه حتى لو تم حل كل مشكلات العالم وعشنا حياة آمنة وعادلة سوف تبقى الأديان، وذلك بسبب العقلية التي نشأنا عليها وتوارثناها من أجدادنا عبر التطور البيولوجي، وتضيف الإذاعة البريطانية قائلة إن الملحدين إذا ما أرادوا أن يسودوا العالم فسيكون عليهم أن يحاربوا كل هذا التراث والتطور الإنساني، وهذا أمر صعب للغاية، فالإنسان يميل بطبيعته لأن يؤمن أنه جزء من شيء أكبر، وأن الحياة ليست عبثا، فعقولنا تسعى دائما إلى إيجاد هدف وتفسير لما يجري من حولنا.

إشكالية نسبية العلم وتغيره الدائم

ومن ناحية أخرى، فالعلم الذي يرتكن إليه الكثير من غير المؤمنين والملحدين لفهم طبيعة العالم ليس بالأمر الثابت، فعلينا أن نؤمن أن الأرض تدور بالرغم أننا لا نشعر بذلك، وأن التطور واقع، وأنه لا يوجد وضع نهائي أو هدف للكون بالرغم من أن حدسنا ينبئنا بعكس ذلك، وذكر روبرت ماكولي مدير مركز العقل والمخ والثقافة بجامعة أتلانتا أن فهم العلم أمر صعب، خاصة أنه متغير، حيث تعدل النظريات العلمية الجديدة رؤيتنا وفهمنا للعالم، بينما الدين هو أمر لا يحتاج للفهم أو العلم، بل يحتاج إلى الإيمان فقط.

ومن ناحية أخرى، فمن الجلي أن الكثير ممن لا يؤمنون بإله حول العالم مازالوا يؤمنون بأفكار غيبية غير مثبتة علميا مثل الإيمان بالأشباح وتأثير الفلك والكارما والتخاطب عن بعد وتناسخ الأرواح، وجدير بالذكر القول إن السحر يلقى إقبالا كبيرا في الولايات المتحدة، بينما يبدو أن الوثنية تتزايد معدلاتها بسرعة في بريطانيا، ونقلت "بي بي سي" عن تحليل صدر مؤخرا حول نظم الإيمان الديني في حوالي 600 مجتمع حول العالم، أنه في المناطق التي تشهد مناخا قاسيا أو كوارث طبيعية نجد الناس الذين يعيشون فيها يؤمنون بآلهة تحض على الأخلاق.

المؤمنون ينجبون أكثر

ونجد أيضا أن الناس الذين يميلون إلى الإيمان يميلون إلى إنجاب أطفال أكثر من غير المؤمنين، ويضيف نورينزين "وحتى بين المتدينين فإن المتعصبين لديهم معدلات خصوبة أكثر من المتحررين"، وبالإضافة إلى حقيقة أن الأطفال غالبا ما يتبعون آباءهم في الدين، مما يجعلهم هم الآخرون ينجبون أكثر، وكل ذلك يوضح لماذا يتزايد عدد المؤمنين أكثر من عدد غير المؤمنين.

كل هذه الأسباب النفسية والوراثية والتاريخية والثقافية واللوجستية جعلت الخبراء يتوقعون أن الأديان لن تختفي من العالم، فالدين، حتى لو آمنت به بسبب الخوف أو الحب، سيظل ناجحا تماما في الحفاظ على نفسه من الزوال، وحتى لو زالت كل الأديان التي يؤمن بها ملايين الناس حول العالم مثل الإسلام والمسيحية والهندوسية، سيظل الإيمان بالغيبيات وبالروحانيات موجودا في العالم.