التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 07:01 ص , بتوقيت القاهرة

سياسات الخمر.. وخمور السياسة

اقتصاد الخمور اقتصاد واسع، فيه منافع كثيرة، ولا سيما في دولة كان بها صناعة خمور لا بأس بها، واستهلاك لا بأس به. لكننا طبعا لا نستفيد منه. لماذا؟

طيب، وانت يعني سايب الدنيا كلها وجاي ماسك في الخمر.. أما إنك واحد ليبرالي عالماني منحل صحيح!!

أسباب كثيرة ليس أهمها الوضع القانوني. لأن القانون المصري لا يُجرم صناعة الخمور ولا الاتجار بها.

ما السبب إذن؟

سيقولون لك إن السبب هو أننا شعب متدين بطبعه. ولأن هذا المقال - كما يتضح من عنوانه - معني بالسياسة وليس بالنقاش الشرعي فإنني لن أناقش هذا، إنما أعود إلى السياسة، سياسة المجتمعات.

1- لماذا لا ندع الشعب المتدين بطبعه يتصرف كما يحلو له. ونكون واثقين أنه سيعبر عن طبعه.

2- لماذا لا ندع القوانين تكون مرآة لرغباتنا السياسية والمجتمعية.

لاحظي أن النقطتين أعلاه تفتحان الباب ولا تفرضان الخيار. بمعنى أنهما يدعواننا كدولة ومجتمع إلى الصراحة والوضوح. لو أردنا الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية فلنكن واضحين ولنفعل ذلك. ولتكن القوانين واضحة أمام المواطنين. ولتكن الأدوار الاجتماعية واضحة.

أما الحالة الحالية، فتنتج - سياسيا - حالة تعطيل وتشويش. وتعني بوضوح وصراحة ومباشرة أن هناك سلطة أخرى هي التي تحكمنا واقعيا.

سلطة لا تستطيع أن تحول رغباتها السياسية والمجتمعية إلى قوانين، لأن وزنها السياسي، أو قدراتها، لا تسمح لها بإزاحة السلطة الموجودة. فتنقلب على الناس العاديين، وتمارس عليهم السلطة بنظام الأمر الواقع. تكسر لهم محلاتهم إن باعوا خمورا. تعتدي عليهم. تغري بالاعتداء عليهم. تهددهم إن باعوا خمورا في مطاعمهم.

تخلق عقوبة ليست موجودة في القانون.

لكن الحقيقة كما أراها أن المشكلة في مكان آخر؟ المشكلة الحقيقية في السُلطة القائمة التي تترك لمنتزعي السلطة الاجتماعية الحبل على الغارب يفعلون بالناس ما يشاؤون. نظير أن يغفلوا عنها. إما لأنها بانتهازية سياسية توجه مجهودات الجماعات الدينية إلى العراك مع الناس، بدلا من العراك معها.

أو. وهذه هي المشكلة الأكبر. لأنها - ثقافيا - يختلط عندها الفارق بين القناعة الشخصية وبين القانون. ويختلط عندها مفهوم القانون مع مفهوم الأحكام الشرعية والأحكام العرفية. ويختلط عندها مفهوم مسؤولية الدولة مع مفهوم المسؤولية الدينية.

هل تعرفين ماذا يعني هذا سياسيا؟ يعني أن هكذا سلطة لا تفهم معنى الدولة من أساسه. ولا تفهم معنى القانون من أساسه. وهذه كارثة.

طيب، وانت يعني سايب الدنيا كلها وجاي ماسك في الخمر.. أما إنك واحد ليبرالي عالماني منحل صحيح!!

الخمر؟!

لا مش الخمر. القانون. العيش في ظل دولة. حرية الاختيار. الكرامة الشخصية بالإحساس أن نظيري ونظيرتي لا يتحكمان في حياتي. أختي وأخويا وصاحبتي وصاحبي وجاري وجارتي، على عيني وراسي، لكنّهم لا يتحكمون في حياتي، ما دمت لا أؤذيهم.

ثم الاقتصاد.

الموضوع ليس خمرا. السياحة مضروبة بسبب نفس هذه العلاقة المبهمة بين سلطة الدولة القائمة وسلطة الأمر الواقع المجتمعية. السينما مضروبة بسبب نفس العلاقة بين الرقابة والقانون - آلات الدولة - وبين سلطة الأمر الواقع.

هذا النمط من التفكير يؤثر على الاقتصاد الرياضي. يؤثر على الاستثمار وإحساس المستثمرين بسلطة القانون (فاكرين سينسبري كمثال ظاهر واضح؟).

ثم هناك السلطة المجتمعية الممتدة إلى الفكر والثقافة وتدريس العلوم والبحث فيها. الممتدة إلى تخريب السلم الأهلي. الممتدة إلى علاقات الجيران والتزاور بينهم. الممتدة إلى تحية الصباح والمساء، والابتزاز الديني ردا على مبادرة طيبة.

إنها حياتنا بكل مفرداتها، وليس الخمر.

الضابط الذي يستوقفك، ويغلس عليك، لأن لديك خمورا في السيارة يفعل أكثر من الغلاسة وممارسة السلطة بلا وجه حق. ويفعل أكثر من ممارسة أنانيته باكتساب "حسنات" على حسابك. إنه يهدم سلطة القانون. إنه يضع المزاج الشخصي أمام سلطة القانون. إنه يبلغك رسالة بأن اختياره من نمط الحياة يعلو على اختيارك دون سند من قانون.

في دولة تحترم الفرد لا يجوز السماح بهذا. أما في دولة مهزومة الهوية، ضعيفة الشخصية، فإن هذا أمر عادي.