التوقيت الخميس، 28 مارس 2024
التوقيت 11:31 ص , بتوقيت القاهرة

طاعون الإحباط

أينما كنت في مصر، وأياً كان مُحيطك الاجتماعي، أو عمرك، أو مستواك المادي، فمن المرجح أن (الإحباط) يمثل عاملا مشتركا إلى حد كبير، بين أغلب من تعرفهم وتقابلهم.

الإحباط العام أصبح طاعونا ننقله كلنا لبعضنا. كل البشر وعلى كل المستويات يعتبرون أنفسهم مظلومة ومهدرة الحق في مصر!.. وحقيقة أن كل البشر يؤمنون بهذا ويتحدثون عنه ليل نهار، كفيلة بنقل العدوى بمبرر أو بدون للباقي، كإرثٍ ثقافي واجتماعي.

قبل أن تتهمني بالمبالغة، تأمل الآخرين حولك، ولاحظ الآتي كنماذج سائدة إلى حد ما:

من لا يعمل مقتنع تمامًا أن كل من حصل على وظيفة، حصل عليها بالواسطة. من يعمل مقتنع تمامًا أنه في مكان فاشل إدارياً أقل من قدراته.

الصغير مقتنع أن جيل الكبار، هو الجيل الفاشل الذي ورث عنه منظومة عقيمة، يدفع هو ثمنها حاليًا. الكبير مقتنع أن جيل الصغار هو الجيل الفاشل اللامبالي وغير المكافح، الذي يتولى هو تصويبه وتوجيهه دون جدوى.

الزوج مقتنع أنه يكافح ليل نهار من أجل لقمة العيش، في سبيل زوجة وأولاد لا يبالون بكفاحه وتضحياته. الزوجة مقتنعة أنها تكافح أكثر لأنها (بعمل أو بدون)، تواصل الكفاح ليل نهار في تربية الأولاد وشؤون المنزل، وتحمل مسؤوليات أكبر.

المرؤوس مقتنع أن مديره فاشل، وأنه يحمل المكان كله على كتفيه، ويبذل جهد جبار، ليحصد مديره عن جهده هو، ما لا يستحق. المدير مقتنع أن المؤسسة كلها مجموعة من الحمقى غير الأكفاء، ولولا ذكاؤه ومهارته لانهار كل شيء.

الزوج مقتنع أنه يكافح ليل نهار من أجل لقمة العيش، في سبيل زوجة وأولاد لا يبالون بكفاحه وتضحياته.

الموظف أو العامل مقتنع تمامًا أنه ينال راتبًا أقل بكثير مما يستحق. صاحب العمل مقتنع تماما أنه يدفع لكل من يعمل لديه، أكثر بكثير مما يستحق مقارنة بإنتاجه.

البائع أو المُصنع مقتنع تماماً أنه ليس في الامكان أفضل أو أرخص مما يقدمه للمشتري، وأنه ينال هامش ربح ضئيل يسمح بالكاد بدفع الالتزامات ومواصلة النشاط، وأن المشتري بجهله يطلب المستحيل باستمرار. المشتري مقتنع تماماً في أغلب الصفقات، أنه اضطر لشراء سلعة أو خدمة بسعر لا تستحقه، بسبب جشع التجار والبائعين.

نادراً ما تجد شخص يشعر بالعدالة في أي علاقة أو منظومة من أي نوع!.. وهو ما يعني ببساطة وجود حالة من الادعاء. لا أعني هنا الكذب، لأن الإحساس نفسه موجود عادة بالفعل، لكنه إحساس مصطنع لا يستند غالبًا إلى أسس منطقية، بقدر ما يستند إلى نوع من تقدير الذات غير المنطقي. إلى الترويج والتكرار لفكرة (أنا أنال أقل مما تستحق)، لدرجة يمكن معها اعتبارها وباءً نفسيا فعلاً.

كمثال مما سبق، تجلس الزوجة مع الزوجات المتحدثات طوال الوقت عن لامبالاة الرجال، فتمتص هذة القناعة، وتبدأ معها مهمة اصطياد أي تصرفات للزوج، كإثبات على صحتها، مهما كانت في علاقة زوجية عادلة.

يجلس الزوج مع أصدقائه المتحدثين عن أعباء الحياة، التي تضطرهم أحياناً للتضحية بمتع معينة من أجل الأبناء، وعن إهمال الزوجات، فيمتص هذه القناعة، ويبدأ معها مهمة اصطياد أي تصرفات للزوجة، كإثبات على صحتها، حتى لو كانت الزوجة بالفعل تقدم يوميًا نفس ما يقدمه وأكثر.

الطاقة السلبية الهائلة التي تنالها الآن بسبب الاحتكاك بالآخرين يوميًا، حتى في أوقات يُفترض أنها مخصصة للمرح، تدفعك للتفكير أحياناً أن المفتاح الوحيد لقدر ما أكبر من الرضا والتصالح مع العالم والحياة، قد يكون في اختلاط أقل وأقل بالبشر!.. فيلم مسلي أو رياضة ممتعة أو وجبة لذيذة.. الخ.

وحقيقة أنني فكرت كذلك سابقاً، وكتبت الجملة السابقة بخصوص الآخرين، تعني أنني أيضاً مصاب نسبياً بعدوى (الإحباط الجماعي - أنال أقل مما أستحق)، مهما تظاهرت بالعكس!

التفكير المستمر من منطلق أن (الحياة سيئة أو غير عادلة) كفيل فعلاً بجعل (حياتك سيئة)!.. أرجو ألا تعتبر الجملة السابقة نوعا من هراء (التنمية البشرية)، الذي لا أطيقه!

للتواصل مع الكاتب