التوقيت السبت، 27 أبريل 2024
التوقيت 02:24 م , بتوقيت القاهرة

سباق رئاسي على صفيح ساخن

بقلم: أحمد محمد توفيق


تعكس التجربة الديموقراطية في العالم أن الناخب في مصر كمثيله في الولايات المتحدة الأمريكية، ومواطن دائرة مصر الجديدة بالقاهرة كإبن دائرة أبو تيج بجنوب الصعيد، جميعهم في المجمل تتحكم في أصواتهم قواعد لاتختلف كثيرا سوى بحسب خصوصية كل دولة وشعب.. حيث يهوى "الناخب" الوعود الانتخابية حتى وإن كان بريقها زائفا.. يجذبه المرشح الذي يحدثه عن الرخاء أكثر ممن يحفزه للبناء.. من يعده بالخير أكثر ممن ينشده الصبر.. من يغريه بعائد الخطط ذات المدى القصير دون أن يرهق أذهانهم بالتطلع نحو المستقبل.. فالناخب في العالم أجمع يمنح صوته لمن يداعب أحلامه ويقدم له نفسه كجني المصباح الذي يتأهب في طرفة عين لتلبية ما يتفتق به ذهنه من أمنيات.


 


لم تستطع موجة الطقس البارد التي تسود مصر من فرض مناخ أقل سخونة حول السباق الرئاسي الحالي إلى قصر الاتحادية، بل ألقت بستار من الضباب حجب طويلا عن أعين الناخبين حقائق كان ينبغي أن تكون واضحة، لعل في مقدمتها هل سيدلي الناخب بصوته مارس المقبل في بطاقة انتخاب.. أم استفتاء.


 


فبينما أعلن الرئيس الحالي السيد عبد الفتاح السيسي نيته الترشح لفترة ثانية مع قرب انقضاء ولايته الأولى،  كان التخبط وعدم الجدية هما السلوك السائد من جانب باقي من أعلنوا عزمهم الترشح للسباق الرئاسي، تلك القائمة التي تتضمن رموزا "موسمية" لم يعد هذا المواطن قادرا على ابتلاعها وتقبلها، لاسيما وقد اعتادت أن تلوح في الأفق كظاهرة كونية لا تتكرر سوى في موسم حصد أصوات الناخبين.


 


وسواء كانت بطاقة انتخاب.. او استفتاء، فالانتخابات الرئاسية القادمة ستمثل اختبارا حقيقيا لوعي المصريين بحقيقة الوضع الراهن، الذي لم تبخل الإدارة الحالية في تشخيصه للرأي العام بمنتهى الصراحة والوضوح.. كما لم تتردد في تقديم الدواء الناجع حتى وان كان مرا.. وهذا النوع من الصراحة لا يستسيغه البشر، بل يبدو لهم صادما...كما تعكس هذه الانتخابات مدى ثقة الناخبين في قدرة هذه الادارة على استكمال توجيه دفة الوطن خلال المرحلة المقبلة، لمتابعة تنفيذ العديد من البرامج الشاملة التي تسير بالتوازي لاحداث اصلاح جذري في العديد من قطاعات التنمية.


 


ولعلي أراهن أن الناخب المصري يدرك جيدا أن الإدارة الحالية لم تلتفت خلال السنوات الأربع المنقضية لمؤشرات قياس الرضاء الشعبي، بقدر ما كانت تشغلها منحنيات معدلات النمو والعجز الكلي وميزان المدفوعات، حيث تحملت مقتضيات مسؤولية المرحلة الدقيقة بكل ضمير وطني، وبايمان مطلق بأن لا رفاهية لتأجيل علاج المشكلات، وتركها إرثا ثقيلا على كاهل الأجيال المقبلة.


 


كنا صغارا نكره يد الطبيب حين تناولنا إبرة المصل في موعد التطعيم، والآن نمتن لهذه اليد التي منحت جسدنا درع المناعة ضد الأمراض.. وربما يدرك المصريون يوما ما، كم كانت حانية تلك اليد التي تعاملت مع جسد مصر في لحظة وهن،  فأعملت بضمير مخلص مشرط الجراح لتداوي أدواء عقود مضت، دون أن تستمر في تقديم مسكنات لا تداوي بل تؤجل الشعور بالألم.. فالطبيب في واقع الأمر يقدم للمريض الدواء الذي يشفيه لا الذي يستسيغ طعمه.


 


وأخيرا....


"لا شيء يوحد الشعب حول قائده كعدو مشترك.. الناخبون لا يغيرون قادتهم"


"هارفي فيرستين ـ كاتب مسرحي أمريكي"