التوقيت الثلاثاء، 23 أبريل 2024
التوقيت 03:03 م , بتوقيت القاهرة

بالديمقراطية.. مارك يبرر قرارات "فيسبوك" الكارثية على المؤسسات الإعلامية

تغييرات "كاسحة" في قسم "آخر الأخبار" أعلنها مارك زوكربرج، المؤسس المشارك لـ"فيسبوك"، والذي يشغل منصب رئيس الشركة ورئيسها التنفيذي، أثارت موجة من القلق وسط المنظمات الإعلامية في كافة أرجاء العالم.


تلك المنظمات التي أصبحت تعتمد على موقع التواصل العملاق كمنبر للتواصل مع قرائها، ومنصة لتوزيع أخبارها، وجزء أساسي من نموذج البيزنس الخاص بها.


في بيان الناري يوم 11 يناير الماضي، ألقى زوكربرج قنبلة: في الفترة القادمة ستتراجع منشورات المؤسسات الإعلامية في ترتيب الظهور على قسم "آخر الأخبار" في فيسبوك، وسيرى المستخدمون منشورات "أكثر" من العائلة والأصدقاء، ومنشورات "أقل" من الناشرين وأصحاب الأعمال.


بعدها بأسبوع، في 19 يناير، أعلن زوكربرج في بيان ثان قرارا آخر: سيشن فيسبوك حربًا على "الأخبار الكاذبة" عن طريق إفراد مساحات أكبر للأخبار الواردة من "جهات موثوقة".


ماذا يعني ذلك؟ ولماذا اتخذ هذا القرار؟ وهل هو خبر جيد أم سيء؟ وكيف ستتأثر البيئة الصحفية؟ وهل سيؤثر ذلك على الدور السياسي والاجتماعي لفيسبوك في الفترة القادمة؟ تلك الأسئلة وغيرها، نحاول الإجابة عنها في هذه المقالة.


يتساءل مجتمع الإعلام عن معنى قرارات فيسبوك الأخيرة، فرغم أن البيانين اللذين أصدرهما زوكربرج واضحين ومباشرين، يظلان مقيدين بقدر من "الغموض".. والإجابة على سبب اتخذ فيسبوك هذه القرارات، يمكن القوب إن فيسبوك كموقع تواصل اجتماعي، وفي غضون سنوات معدودة أصبح واحدًا من أكبر الكيانات على وجه الأرض.


في الوقت نفسها، كان الفريق التقني يلاحق المتطلبات الجديدة، والآن، نحو ملياري شخص، ما يقرب من 30% من سكان العالم يستخدمون الموقع، وبالنظر إلى الفقر وغياب التنمية في أرجاء هائلة من عالمنا الحالي، وبالنظر إلى أن بعض الدول، ومن بينها الصين (بسكانها الذين يقتربون من مليار ونصف نسمة)، يحظر فيسبوك، يتضح لنا أن كل من "يستطيع" استخدام فيسبوك في العالم يستخدمه تقريبا.


ويبدو أن هذا هو لسان حال زوكربرج في بيانه المدوي، لم يكن فيسبوك يحلم بأن يحوز كل تلك السلطة، ربما عند لحظة ما وجد ذلك أمرا عظيما "من يكره السلطة في نهاية المطاف؟"، لكن لا شيء يأتي بالمجان، أتت تلك السلطة العظيمة بمشكلات عظيمة "السلطة المطلقة مفسدة؟".


لقد استولى المستخدمون عن الموقع، وخرجوا به عن مقصده الأساسي، وكأن زوكربرج يريد أن يستعيد موقعه من الأيدي الغاشمة لـ2 مليار مستخدم، لماذا يتخذ فيسبوك قرارات تقلل من زمن استخدام الموقع؟ ويمكن القول إن السر في ذلك هو تسبب موقع فيسبوك في إيرادات خرافية لأصحابه، ولا يبدو أن الإيرادات تتراجع، فما الذي يدفع مؤسسة ما إلى إحداث تغيير جذري في نموذج بيزنس يدر عليها مثل هذه الإيرادات؟


بعد يوم واحد من إعلان زوكربرج الأول، تراجع سهم الشركة بنسبة 4%، قد لا تبدو نسبة ضخمة، لكنه الرقم بالمليارات، ومؤشر على ما يمكن أن تؤول إليه أحوال الشركة في المدى القريب.


يقول زوكربرج: "لا بد أن يمضي كل فرد منا وقته على فيسبوك بشكل جيد"، ويضيف أنه يسعى إلى "عودة فيسبوك لأهدافه التي تأسس من أجلها، وهي الانخراط في المحادثات النشطة بدلا من الاستهلاك السلبي".


لقد أعطى فيسبوك صوتا للناس، لكل فرد على حدة. لقد ارتفع بحرية التعبير إلى آفاق لم تكن متخيلة. لقد أصبح بإمكان كل إنسان أن يعبر عن نفسه؛ كل مجموعة أن تتناقش حول اهتماماتها. لقد منع احتكار الحكومات والمنظمات الإعلامية العملاقة للأخبار، وحال دون تلاعب الأقوياء وأصحاب المال والنفوذ بالرأي العام. لقد أطلق يد المواطنين الصحفيين، وغير أجندة الإعلام الفوقية إلى أجندات تحددها الجماهير.


أليست تلك هي الديمقراطية بعينها؟ الإجابة ليست بهذه البساطة.. فالسنوات السبع الأخيرة التي بدأت بالثورات العربية وانتهت بفضيحتي التلاعب في نتائج الاستفتاء البريطاني على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي "بريكسيت"، وفي نتائج الانتخابات الأمريكية، تجعلنا نعيد النظر في الموضوع من مختلف جوانبه.


من ناحية، نعم: يظهر فيسبوك كأكبر نصير للديمقراطية، لكنه، من جانب آخر، استبدل "حراس البوابة الإعلامية" من البشر، لتحل محلهم "الخوارزميات"، لم نعد نستهلك الأخبار بعد مرورها على "فلتر" الخبراء الإعلاميين، ولكن بعد مرورها من "فلتر" غير بشري، افترض في نفسه القدرة على إدارة الإعلام بصورة أفضل و"أكثر ديمقراطية" من البشر.


لقد أسهم، من حيث لا يقصد، ومن حيث ديمقراطيته نفسها، في "تمييع" المعلومات، ووجه ضربة قاصمة لأحد أهم دعائم الديمقراطية: الحق في الحصول على المعلومة الصحيحة.


اقرأ أيضًا..


"فيسبوك": نحاول وقف التدخل في الانتخابات