التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 10:42 ص , بتوقيت القاهرة

ماذا قال أمين الشرطة لمحافظ المنوفية؟

لو قُدِّرَ لـ«هشام عبد الباسط» محافظ المنوفية السابق، أن يقول للجهات الرقابية وأمين الشرطة شيئًا لقال له: لِمَ وضعتم القيود في يدي قبل أن آذن لكم.. إن هذا لمكر مكرتموه؛ لتخرجوني من منصبي.. لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين.
ألا ساء عبد الباسط، وساء عمل الفاسدين.


الصورة كانت معبرة. كانت مليئة بالتفاصيل. كانت تقول أشياء كثيرة تعجز عنها مفردات اللغة. أمين شرطة كان يضع يد محافظ المنوفية المتهم بالفساد في «الكلبش». مشهد مؤلم وتذكرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. نهاية متوقعة لكل فاسد غرَّه فساده، وزيَّن له شيطانه أنه سيكون بمعزل عن الجهات الرقابية، وبمنأى عن يد العدالة. 


المحافظ الفاسد ينظر إلى أمين الشرطة ولسان حاله يقول: أيها الوغد.. على رسلك.. خفِّف قيودك عن معصمي.. ما كنتَ تجرؤ على فعل ذلك عندما كنتُ في منصبي.. كان أقصى أمنياتك أن تنظر إليَّ من بعيد، وبيني وبينك حُجبٌ كثيرة.. كنتَ تتمنى أن ألقى عليك بالسلام، أو مجرد التلويح بيدي.. الويل لي.. لقد فعلت ذلك في نفسي.. لقد أعماني الطمع والجشع.. لم أتعظ بابن نوح الذي ظن أن لجوءه إلى قمة الجبل سيعصمه من الماء، وظننتُ أن منصبي دائم، وعلاقاتي بكبار المسؤولين سوف تحميني من الوقوع في مثل الموقف.. ليت أمي لم تلدني.


كان المحافظ يحدث نفسه، بينما أمين الشرطة سابحًا في ملكوت الله، ولسان حاله يقول: يا الله.. لقد كنت، حتى الأمس، مثل قوم قارون الذين تمنوا أن يكونوا مثله.. تمنيت أن أكون مثل هذا المحافظ.. راتب كبير.. استراحة فخمة.. حرس.. موكب تشريف.. شخط ونطر في الموظفين.. تحركات ببلاش.. اتصالات ببلاش.. أكل ببلاش.. علاقات بالرئاسة والوزراء والمحافظين والنواب وكبار المسؤولين.. يأمر فيطاع.. يكافئ ويعاقب.. يُعين ويُقصي.. كل شيء تحت أمره..


يخرج أمين الشرطة سيجارة ويشعلها، وهو يحدث نفسه: كنت أشفق على أولادي.. كنت أتمنى لهم أبًا مثلك أيها المحافظ.. كنت أريدهم يفخرون بي وبمنصبي.. الآن سأعود إليهم.. سأقص عليهم تفاصيل الساعات التي جمعت بيني وبينك رغمًا عنك.. سأحدثهم القناعة كنز لا يفني.. سأحدثهم عن قيمة الشرف والأمانة.. سأخبرهم أن الدنيا كلها لا تساوي لحظة واحدة مثل اللحظة التي وضعت فيها القيود في يدك.


ينظر الأمين إلى المحافظ المتهم نظرة حبلى بالكلام: أي سبب ستخترعه لتبرر به فسادك، ورشوتك؟ ألم يكن راتبك يكفيك؟ ألم تكن البدلات والحوافز والهدايا والمكافآت تغنيك عن «السلف» حتى تُكمل الشهر كما يفعل ملايين المصريين الشرفاء.. أتعلم أن راتبك في شهر واحد قد يكون أكبر من راتبي في عام، ومرتب موظفين آخرين في عامين أو ثلاثة؟ ما الذي كان ينقصك؟ ما الذي جعلك تقامر بكل هذا الجاه والهيلمان؟ أي شيء يساوي وقفتك هذه؟ ماذا تقول لنفسك؟ دعك من نفسك.. ماذا تقول لأولادك ولأهلك الذين جلبت لهم العار؟ ستقول: المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته؟ سأقول لك: «مفيش دخان من غير نار»!
يُفتح الباب، ويأذن الحارس للمحافظ بدخول غرفة التحقيق، فيفك أمين الشرطة «الكلبش» من يده، وينتظره بالخارج لحين انتهاء التحقيقات، لاصطحابه إلى غرفة الاحتجاز على ذمة القضية.