التوقيت الأربعاء، 24 أبريل 2024
التوقيت 02:55 م , بتوقيت القاهرة

رسالة مفتوحة إلى جمال عبد الناصر

سيادة الرئيس جمال عبد الناصر،
حبي واحترامي لروحك الطاهرة وسيرتك العطرة، الحقيقة أني ولدت بعد خمسة عشر عاما من رحيلك، لم أراك لكني رأيت من عاصروك، وشاهدت فيلم ناصر 56 عندما جسد دورك الرائع أحمد زكى، و شاهدت كل من حاولوا تجسيد شخصيتك، لكنهم لم يصلوا إلى روحك إلا أحمد زكي.


يوسف شاهين عندما طلبوا منه أن يخرج فيلما عن قصة حياتك، تساءل من أين آتي بمثل جمال عبد الناصر؟، شاهدت و قرأت عنك الكثير، وقيمت لك مواقفا مع أشخاص مختلفة، و قرأت ما كتبه هيكل وأنيس منصور.


لم أتعلق بك فى طفولتي ولكني قابلت وتحدثت مع الكثيرين من أحبائك الذين تعلقوا بك وعلقوا صورك على جدران غرفهم، قد لا يعرف الكثيرون أني علقت صورة لك فى غرفتي بعد أن قررت أن تكون سيادتكم مشروعي فى السنوات القادمة لأن رسالة الدكتوراة التي أعدها تدور حول قرار تأميم قناة السويس.


الحقيقة سيادة الرئيس أن علاقتي بك من أصعب العلاقات النفسية، أنا لست مخبولا بك ودائما أتعامل مع شخصكم بحيادية شديدة، لك أخطاء كثيرة ولكن لك مزايا كثيرة، لم تكن موفقا في العديد من القرارات، ولكنك كنت عظيما حاسما فى قرارات أخرى.


في البداية كنت شابا صغيرا تربى يتيما بعد وفاة والدته أثناء إنجابه، وعشت حياتك بين بيوت فى محافظات مختلفة مما أثر على شخصيتك واطلاعك على ثقافات مختلفة، فقد ولدت في الاسكندرية حيث يعمل والدك ثم عشت بعض السنوات مع جدك فى بني مر الصعيد، ثم انتقلت إلى الموسكي وحارة اليهود فى القاهرة بمنزل عمك.


قرأت أيضا أنك تأثرت كثيرا بشخصية جدك كبير قريته، لأننا نعرف أنه كان مثلك قوي وقليل الحديث وصاحب حكمة ورأي، كما يري غيري أنه صاحب التأثير الأقوى على شخصيتك، فسيادتكم لم تعش فى الصعيد كثيرا ولكنك تأثرت بالصعيد كما لم يتأثر غيرك من رؤساء مصر وكنت تصف نفسك أنك الصعيدي صاحب الرأس المتحجرة.


أعرف سيادة الرئيس أنك كنت محبا للقراءة، وبالتأكيد تأثرت بالعديد من الكتاب والمفكرين، نتمني أن نجد مسئولين مثلك مهتمون بالقراءة والفن والثقافة، أعرف أن لك العديد من الأعمال الأدبية بين الرواية والمسرحية،  وأعرف أيضا قصتك مع توفيق الحكيم وتأثرك برواية عودة الروح  التي تتحدث عن أن النهضة المصرية لن تحدث دون عودة الروح المصرية المدفونة فى التاريخ، روح مصر التي امتلكها رمسيس وأحمس ومينا، وأستطيع أن أقول بشكل صريح أنك امتلكتها أيضا، فعلا سيادتكم استطعتم بعث الروح المصرية الشريفة الطاهرة.


أتذكر جيدا محاضرة قبل ثمان سنوات، كان المحاضر يعمل فى مكتب لسيادتكم وفجأة عندما جاءت سيرتك بعد نهاية المحاضرة  ظل يبكي، وقال نصا كنت أتمنى أن أتوفى أنا ويعيش جمال عبد الناصر، الموقف كان صعبا وجعلني أشعر أنك إنسان امتلك سرا غير عادي، فمهما كانت أخطاؤك، أحبك المصريون، لا أحد يعرف سر حب المصريين لك حتي الآن، مهما كانت محاولات الغرب والشرق لمحو ذكراك العطرة تظل محبتك فى قلوب عشاقك ومحبتك تنتقل من جيل لجيل سيادة الرئيس، قد تكون ارتبطت في نفوس المصريين بالعدل وبالحب والعطف وبصورة الأب الراعي.


أتذكر أيضا كلمة دبلوماسي مصري دكتور في العلوم السياسية، قال لي: "كنت فى مؤتمر هام وجاء ذكر اسمك فلم يصفق أحد، فتساءل ماذا يحدث ؟ فقال له أحد السفراء.. نحن لا نحب الرئيس عبد الناصر ولكننا نحترمه، ومازالت بريطانيا تري عبد الناصر سببا في نهاية نفوذها فى المنطقة بعد حرب 1956".


لا أنكر اهتمامي بالمرحلة السابقة لك، وأعي أنها كانت مرحلة مهمة وليست بالفساد الذي حاولت إظهاره وتوضيحه، فالملك كان شخص وطني والحكومة تتغير بانتخاب، أعتقد أنك لو تركت الملكية الشرفية مثل بريطانيا كان أفضل من هدم النظام وإعادة بنائه.


يختلف حولك المصريون، هناك من يقول أنك كنت شجاعا وهناك من يقول أنك كنت متهورا، أنا أقدر الظروف التاريخية التي كانت حولك وصعودك إلى الزعامة الثالثة، لأن العالم وقتها كان يرى أن العالم مقسم بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة ومصر التي تتزعم العالم الثالث وعدم الانحياز، أعرف جيدا أنهم تحالفوا ضدك مثل ما تحالفوا ضد مشروع محمد علي.


سيادة الرئيس لا أجد مبررا لما حدث في سجونك، أعرف أنك حاكمت من تورط فى عهدك وحاولت أن تتطهر بمحاكمات صلاح نصر وغيره، لكن هناك من دفع حياته نتيجة غفلتك واختيارك أهل الثقة عن أهل الخبرة، أيضا سيادتكم قمت بتجريف الحياة السياسية فى مصر فبعد أن كنا نمتلك عشرات الوزراء أصبحت مصر بل كوادر، و كل من يعين في الوزارة منذ عهدكم حتى الآن مجرد موظفين إلا من رحم ربي.


أخيرا كالعادة، سيهاجم المقال من يحب عبد الناصر ومن  لا يحبه، لأن أغلب الناس  تعودوا على التعصب الأعمى، لكني كما قلت فى البداية أمتلك مشاعر مختلفة، فأنا لا أرة أي سياسي كاملا، فهو ليس نبي كما وصفه أحمد فؤاد نجم، ولكنه كان قائدا صاحب رؤية وحلم وطموح، وصاحب محاولة حقيقة فى النهضة وتأسيس القطاع العام وإعادة ترتيب مصر بشكل حديث. عبد الناصر زعيم استطاع أن يزرع الحلم فى نفوس محبيه حتى لو فشل في إدارة ذلك الحلم.