التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 02:50 م , بتوقيت القاهرة

السادات والخميني و«أرض الآريين»!

«نظارة» سوداء اللون من صدفة سلحفاة تجعله يقرأ الأحداث قبل وقوعها بثلاثة عقود كاملة، ينظر من خلالها ويشاهد ما يحدث في الوطن العربي والساحة الدولية وكأنها مرآة تنور طريقه لما هو آت.. هل هو ساحر أم «مُنجِم» أم ماذا؟.


«ما حال إيران اليوم.. بيشتروا بترول بالبطاقات ومفيش في إيران أكل».. كان يقرأ المشهد من زاوية واسعة الأفق، كلمات قالها في سبتمبر من العام 1981 قبل اغتياله بأيام قليلة عبر خلالها عن الوضع المأسوي في إيران في خطابٍ شهير أمام مجلس الشعب، هاجم الإخوان وإيران شيطاني المنطقة العربية، انتقد الخميني ونظام الملالي في إيران.


بعد 36 عاما إلا 3 أشهر انطلقت احتجاجات في إيران على غلاء المعيشة وسياسات طهران وتدخلاتها في النزاعات الإقليمية، وكأن محمد أنور السادات صاحب «النظارة السوداء» كان يقرأ الوضع والمشهد الذي – وبحسب اعتقادي – يتكرر الآن مرة أخرى في «أرض الآريين».


الإضرابات الأخيرة في إيران عزيزي القارئ غيرت كل شيء، أزاحت بمعنى أصح غطاء حالة الإحباط الشديدة بين الإيرانيين، خاصة أن هذه المرة لم تُخمد الاحتجاجات بسهولة ولكنها كشفت عن غضب ليس فقط من الليبراليين لكنها وصلت المحافظين في أجزاء بعيدة عن العاصمة طهران، كأنها «بشارة» بأن التغيير قادم لا محالة وانتقال السلطة بات قريبًا بعد سيطرة خامنئي لمدة 28 عاما، وتحوله من شخصية رمزية في الدولة إلى قائد يخطط لبرامج نووية ويدفع بإرهابيين في سوريا واليمن والعراق.


نعود مرة أخرى إلى يناير 1979 بعد إضرابات وتظاهرات شهدتها إيران آنذاك من قبل أتباع آية الله الخميني، فر محمد رضا بهلوي من البلاد، وعاد الخميني من المنفى إلى طهران، أطلق وعودا لأتباعه ببناء نظام جديد كلها تبخرت مع الزمن.. لم يطل الأمر – سوى 3 عقود- فخرج المواطنون في الشوارع للتظاهر لتحسين أوضاعهم بسبب الغلاء والفساد، بعد محاولات عدة لإخماد صوت الديمقراطية، كان أبرزها عامي 2009 و2010 والتي سميت «الحركة الخضراء» ضد أحمدي نجاد، للمطالبة بإعادة الانتخابات الرئاسية ولكن تم التجديد له وقمع المظاهرات بكل قوة.


مواطنون تائهون يسألون: ماذا يجري في إيران؟، وما هو مصير هذه الاحتجاجات؟.. سؤالان مهمان لا غنى عنهما لفهم ما يحدث في «بلاد الساسانيين».


طبقة جديدة من الأرستقراطيين ظهرت في عيون الفقراء في الأرياف فخرجت مظاهرات ممن ضاقوا ذرعا بالأوضاع المعيشية، كان حصيلتها مقتل 25 شخصا على الأقل وتوقيف ما يقرب من 3700 شخص على علاقة بالاحتجاجات الأخيرة، لنعود إلى ما قاله «السادات» إن «الخميني استلم إيران بها ثروة تجعلها من أغنى دول العالم»، ولكن أين تذهب هذه الثروة.. بالفعل تذهب إلى 3% فقط من مواطني الـ 80 مليون نسمة.. الشعب يطالب بدولة مدنية قوية اقتصاديا وأحوالهم ميسورة بحكم احتياطاتها من النفط ولكنه لا حول له ولا قوة فالفقر نمط الحياة في بلاد طهران.


الجامع الكبير في مشهد بإيران خرجت منه المظاهرات ضد الغلاء في نهاية 2017 وحتى 2018، ولكنها اختلفت عن المظاهرات «الخضراء» في أنها خرجت بدون قيادات، خرجت فقط من أجل التغيير، ما صعب الموقف أمام المرشد الأعلى في السيطرة عليها.


هناك مخاوف بالفعل من الاتجاه إلى «ربيع إيراني».. حاول المرشد «فك ضفائر» الاحتجاجات في إيران فهدد بإعدام المعارضين لتخرج مسيرات حاشدة مؤيدة للحكومة في إيران في مشهد يذكرنا بـ«مرسي» وجماعة الإخوان.


امتدت الاحتجاجات إلى جوانب فكرية وأخذ المتظاهرون يرددون كلمات بدأت بهمسات ولكن سرعان ما انتشرت الفكرة بأنه يجب العودة إلى النظام الملكي - الشاه- وأنها أفضل بكثير من الثورة الإيرانية، فخرجت دعوات تطالب بالحنين إلى «ابن الشاه» - محمد رضا بهلوي - وأن يعود من جديد ملكا لإيران لإنهاء النظام الديني المتطرف.


قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري، قال «سنتصرف بطريقة قوية جدا ضد المتظاهرين»، ما يدل على أن الأمور لو ازدادت سوءًا ستستخدم إيران أكثر الطرق قمعا، لوأد «فتنة الكادحين»، لن يسقط النظام الإيراني بسهولة لكن من الممكن أن يضعف وسيبدأ في الانقسام، في المقابل سنجد «الخميني» سيستخدم سلطاته لبسط قوته بشكل أكبر، خاصة أن تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبعثه برسائل لدعم المعارضين أضعف منهم لم يقويهم فأظهرهم بمظهر العملاء.


وماذا بعد؟.. سؤال يطرح نفسه بقوة، لكن لن أجد لك إجابة محددة، فالوضع بالفعل معقد لا توجد خريطة طريق، لا مطالب محددة بتغيير نظام الحكم، أو سقوط النظام بشكل كامل وعودة ابن الشاه إلى الملكية.. الشكل السياسي بشكل عام يبقى غامضا لنرى ماذا تحمل الأيام من عبق الحراك الديمقراطي، لكن ما أستطيع أن أؤكده لك أن «إيران قبل 2017 ليست كما بعدها»، ولو كان الأمر بيدي لكنت ذهبت للسادات لأرى ما تخفيه نظارته من أحداث قادمة.