التوقيت الأربعاء، 15 مايو 2024
التوقيت 05:17 م , بتوقيت القاهرة

"القانون لا يعرف حواء".. الأم تسكن الشوارع بعد انتهاء "الحضانة"

"الجنة تحت أقدام الأمهات، من شئن أدخلن، ومن شئن أخرجن". صدق رسول الله (ص) في حديثه الشريف، إذ رفع قدر الأم وأعلى من شأنها وأسكنها فسيح جناته، كما انتصر لها الشرع في القرآن الكريم، وكرمها الرئيس "السيسي" مطلقًا على عام 2017 بأنه "عام المرأة المصرية"، ليأتي القانون ويطيح بكل ذلك وينهرها ويسكنها الشارع، لاسيما بعد فناء حياتها في خدمة أبنائها. 


"القانون لا يعرف حواء".. أكد عليها المشرع رغم المحاولات الشديدة لمعالجة أزمة المرأة المصرية مع القوانين منذ القدم، بفرض حاجزًا جديدًا على الزوجة المصرية، يفقدها الحق في مسكن الزوجية بعد انقضاء فترة الحضانة، لتنتهي بذلك صلاحية الجملة الشهيرة «الشقة من حق الزوجة».


أرشيفية


"المرار الطافح".. تعبير يصف ما تتعرض له الأم خلال حياتها بداية من الحمل لمدة 9 أشهر وحتى الوضع، ثم التربية والعمل إذ وجد، وخدمة البيت التي ينفر منها الرجال ويرونها شيئًا مخجلًا ولا يمكن معاونتها فيه.


تنفق المرأة أغلى وأحلى سنوات عمرها في خدمة زوجها وأبنائها وتربيتهما، ثم لأي سببًا من الأسباب إذا قررا الانفصال تبدأ في الاصطدام بالواقع المؤسف، الذي لا يتخيله عقل، فإذ كانت الزوجة حاضنة أي لديها أولاد أقل من "17 عام للبنت و15 عام للولد"، يظل أمامها فرصة لمنح نفسها بعض الوقت التي تعتمد فيه على نفسها لتكوين المال وشراء مسكن لها، وذلك لأن قانون الأحوال الشخصية لم يمنح الزوجة حق في الشقة بعد انتهاء فترة الحضانة، أي تعمل الأم خادمة لأولادها بعد الطلاق أثناء فترة الحضانة ثم تصبح ساكنة في الشوارع إن لم يكن لها ميراث أو أسرة.


خطوة تلو الأخرى متعجلة للوصول إلى العمل، ألتقط أنفاسي سريعًا، وإذ فجأة وجدت امرأة تلتصق بالحائط على عكس السيدات التي تتسول.. تتدفأ بجدران المحلات في صباح شتاء باكر.. لا يوجد معها سوى "كيس بلاستيك صغير" بدت منه بعض الأدوية.. عيونها تبكي من دون دموع.. وجهها شاحب وحزين.. وقدميها نظيفة لا يظهر عليها اتساخ مثل ساكني الأرصفة.. فتبادر إلي سؤالها، لماذا تجلسين هكذا يا أمي فهل من مساعدة؟ لتنظر إلي وهي لا تستطيع الإفصاح عن حالها لثوان، وفي محاولة للحديث، وجدت سيول من الدموع لا تتوقف دون صوت وفي خجل من أن يراها أحد.


بدأت السيدة حديثها بنبرات منخفضة، متلفتة حولها إلى الأشخاص في الشارع، ثم قالت "اترميت في الشارع بعد 28 سنة"، متسائلة، لماذا؟، فترد "ل م"، "تزوجت وعمري 18 عامًا، ولم استكمل دراستي لرفض زوجي وظنه بأنني سانشغل عنه وعن المنزل، ووافقت أسرتي من أجل البحث عن سترتي وفرحتهم بي، وبالتالي رفض عملي بشهادتي المتوسطة أو خروجي من المنزل، أصبحت وحيدة أجلس مع جدران منزلي الصغير".


صورة-أرشيفية


"وبعد زيادة سوء معاملته وتجاوزاته معي بالألفاظ البذيئة، تركت المنزل وذهبت إلى أسرتي المتواضعة، التي رفضت التجاوب معي في اتخاذ قرار حاسم ضده، وخلال هذه الفترة التي جلست فيها بمنزل الأسرة اكتشفت أننى حامل في ابني الأكبر، فقررت القبول والعودة والاستسلام للأمر".


"وبعد وضعي ابني الأول كريم، امتنعت عن الحمل لفترة، وبعد 3 سنوات من الضرب والإهانة والتعذيب، قررت لم أترك طفلي بمفرده طالما استمر في هذه الحياة البائسة، وبالفعل أنجبت أخاه أحمد، ثم أميرة بعد 4 سنوات، ثم رنا بعد 3 سنوات".


"وبمرور 28 سنة خدمة، لم أجد مسكنًا يأويني، لأن بعد زيادة القسوة في الضرب، وبعد أن أصبحت مريضة الضغط والسكر والقلب، طالبت بالطلاق لاستحالة قدرتي على المعيشة، وبالفعل طلقني وسكنت مع أبنائي لحين انتهاء فترة الحضانة، ثم رماني في الشارع"، فكرت في أن أذهب لابني الأكبر ولكن لن تقبلني زوجته ولا يستطيع إيوائي فتركته لكي لا أتسبب له في مشاكل".


"لا يوجد لي مأوى، فقد فقدت أعز ما أملك في إشارة لـ"والديها"، وكانوا بسطاء لا يوجد لديهم أموال أو أملاك يتركوها لي، ولا يوجد لي أشقاء، فأصبح مصيري كما ترين، لا أعلم متى ينتهي دوائي الذي لا أستطيع شراء غيره، ولم أتحمل العمل الشاق الذي يقبلني في هذا العمر وبمرضي وأنا مقبلة على 50 سنة، ولكن الذي يشغلني الآن وأهم من كل هذه الحكاية، هو هل أدفن بمقابر أسرتي أم سأموت ولا يعلم عني أحد شيئًا؟".


القانون يقتل الزوجة المطلقة


ومن جانبه، أكد الدكتور فؤاد عبد النبي، الخبير القانوني والدستوري، أن وفقًا لقانون الأحوال الشخصية 2 لسنة 2000 المعدل للقانون رقم 100 لسنة 1985 تنتهي حضانة النساء ببلوغ الابن 15 عامًا، والابنة 17 عامًا.


وأضاف "عبد النبي" لـ"دوت مصر"، أن يجوز للقاضي بقاء الابنة مع الحاضنة حتى الزواج، أما إذا امتدت الحضانة بعد السن المذكور، يسترد الزوج منزل الزوجية أو مسكن الحضانة.


الأزهر ينتصر للمرأة


أوضح الدكتور علوي أمين خليل، أستاذ الشريعة وعميد كلية الشريعة والقانون الأسبق بجامعة الأزهر، أن قانون الأحوال الشخصية مستمد من الشريعة الإسلامية فيما يخص بحقوق الزوجة على زوجها، في كافة المسائل التي تتعلق بهذا الإطار، حتى وإن كانت مطلقة فلها أحكام معينة، بما في ذلك عن كان لديها أطفال.


وقال "علوي" لـ"دوت مصر"، إن من حق الزوجة على الزوج أن ينفق عليها وجوبًا بحسب استطاعته، وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء، منوهًا بأن مسألة توفير السكن للحاضنة المطلقة فإن كانت مطلقة طلاقًا رجعيًا فلها النفقة والسكن ما دامت في عدتها، وكذالك لو كانت مطلقة طلاقًا بائنًا، وهي حامل.


وتابع "إن حكم الشرع بعد انتهاء العدة يقول لا يجب على الزوج المطلق نفقة ولا سكن إلا في مدة الحمل أو الرضاع، إلا أن يكون لها أولاد وهم في حضانتها، وعليه فإن الحاضنة ما دامت في العدة أو في الإرضاع فإن حقوقها كحقوق سائر المطلقات، وبعد انتهاء العدة مع عدم وجود الإرضاع يؤكد الشرع أن لا حق لها على الزوج إلا في مسألة توفير السكن".


 


اقرأ أيضًا


"وطن ودم واحد" ضد الإرهاب".. مصر التي لا تعرف الفتن