التوقيت الخميس، 28 مارس 2024
التوقيت 08:57 م , بتوقيت القاهرة

رد فعل فلسطيني وعربي أكثر حسما على قرار ترامب بنقل السفارة 

د. سماء سليمان 


لن تجد إسرائيل فرصة سانحة لتنفيذ قرار ترامب أفضل من تلك التي تمر بها الدول العربية الغارقة بمواجهة التهديدات الإقليمية المتصاعدة والمرشحة للاستمرار فترة ليست بالقصيرة، فضلا عن سيطرة التيارات والأحزاب اليمينية المتشددة على الكنيست والحكومة الإسرائيلية والتي ترى أن الانسحاب من الأراضي الخاضعة لسيطرة إسرائيل لم يعد مجديا وأن الأطراف العربية لم يعد لديها أوراق ضغط على إسرائيل للدخول في مفاوضات جديدة. 


وكالمعتاد لم يكن قرار ترامب بتنفيذ نقل سفارة أمريكا من تل أبيب إلى القدس مفاجئا ولكنه تم الاستعداد له من قبل إسرائيل بعدد من الإجراءات ومنها: تكثيف عمليات الاستيطان في كافة أرجاء مدينة القدس ومحيطها خلال عام 2017، حيث خططت تل أبيب لإنشاء 12 ألف وحدة سكنية استيطانية في القدس والضفة الغربية، كما وسعت إسرائيل نطاق المستوطنات القائمة في القدس الشرقية بهدف استكمال عملية التغيير المنهجي للواقع الديمغرافي للمدينة.


وفي يوليو 2017 تم نشر الحواجز الأمنية من جسور حديدية وبوابات لكشف المعادن وكاميرات حول مداخل المسجد الأقصى لتعزيز سيطرتها الأمنية، وهو ما تسبب في اعتصام عدد كبير من المُصلين داخل المسجد بالتوازي مع الضغوط العربية والدولية التي دفعت إسرائيل لتفكيك هذه الحواجز، ولكنها اكتفت بالانتشار الأمني المُكثف في محيط المسجد الأقصى.


وأيضا قدم حزب البيت اليهودي في الكنيست مشروع قانون "القدس الكبرى" في أكتوبر 2017 ينص على ضم المستوطنات المحيطة بالقدس المحتلة إلى حدود المدينة، وعلى الرغم من سحب مشروع القانون بعد ضغوط عربية ودولية؛ إلا أنه يخضع لإعادة صياغة تمهيدًا لإعادة طرحه للتصويت في الكنيست.


كما انسحبت إسرائيل من عضوية اليونسكو في الشهر نفسه احتجاجًا على قرار اليونسكو في مايو 2017 الذي اعتبر كافة الإجراءات الإسرائيلية في القدس الشرقية لتغيير معالم المدينة باطلة وغير شرعية. 


وحظرت السلطات الإسرائيلية منذ فترة استخدام تسمية "القدس الغربية" لوصف ما تعتبره عاصمتها، وفرص تسمية "القدس" لإثبات سيطرتها على شطري المدينة، حيث أجبرت السلطات الإسرائيلية منظمي سباق "جيرو دي إيطاليا" للدراجات في ديسمبر 2017 على استبدال تسمية "القدس الغربية" بمدينة "القدس" في إعلان السباق، وهددت بإلغاء الفاعلية، وهو ما دفع المنظمين للرضوخ للمطالب الإسرائيلية.


كان للقرار الأمريكي تداعيات كثيرة منها ما حدث بالفعل ومنها ما هو محتمل ومتوقع خلال الفترة القصية القادمة كالتالي:


أولا: عادت القضية الفلسطينية القضية الأولى في المنطقة ومحط اهتمام دول العالم.


ثانيا: قد يؤدى ذلك إلى ظهور جماعات مقاومة جديدة لحماية المقدسات الدينية، والتصدي للاحتلال.


ثالثا: عززت مواقف كل من القوى الإقليمية المعادية لإسرائيل خاصة إيران و"حزب الله".


رابعا: تقويض مساعي إسرائيل للتقارب مع الدول العربية بهدف دمجها في نظام الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط لمواجهة الجماعات الإرهابية في الشرق وتهديدات إيران للأمن الإقليمي في سوريا والعراق واليمن.


خامسا: بدأت ارهاصات انتفاضة جديدة وهو ما سيترتب عليه تفجر مواجهات عنيفة في القدس والأراضي المحتلة. 


سادسا: الاضرار بمحاولات اسرائيل لتحسين صورتها الدولية من خلال المواجهات العنيفة لقوات أمنها في مواجهة الاحتجاجات الفلسطينية.


تتمثل القوى والفواعل التي ستحرك مستقبل قضية القدس ومن ورائها عملية السلام في:


اولا: إجراءات التصعيد على المستوى الشعبي، وكما هو ظاهرا فإن المظاهرات ليست حاشدة كما كان ينبغى أن تكون واقتصرت المظاهرات في بعض البلدان العربية على مظاهرات الطلبة في الجامعات –وإن كان يصعب التقليل من أهميتها مستقبلا والتي تؤشر إلى جيل رافض للانتهاكات الإسرائيلية مما يقلل من تعويل إسرائيل على شباب الدول العربية لتطبيع العلاقات معها - ومن ثم فإن إسرائيل ترى أن ردود فعل الشارع العربي تحت السيطرة.


ثانيا: صعوبة أن تخوض الدول العربية حربا مع إسرائيل، لأن عدم الاستقرار الداخلي الذي تعيشه العديد من الدول العربية يحول دون تحرك جماعي أو حتى تحالف جزئي بين عدد من الدول العربية ضد إسرائيل.


ثالثا: مدى تمسك باقي دول العالم بموقفها بعدم نقل سفاراتها إلى القدس تباعا فيما بعد لتبقى المدينة "أرضًا محتلة"، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية والمجتمع الدولى، ومن ثم لا يمكن وفقًا للخطوة الأمريكية أحادية الجانب تغيير الوضع القانونى المعترف به دوليًّا، وبالتالي لا يجوز للقائم بالاحتلال أن يُدخل عليها أية تغييرات، وفقط للمحتل أن يتخذ إجراءات إدارية، ولكن لا ينقل سيادة أو سفارة، وتبقى السيادة إما للدولة، أو تبقى السيادة كامنة في شعب الإقليم إلى أن يتمكن من إقامة دولته.


يمكن القول أن ردود الافعال سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي ليست بالشكل الذي يمثل أداة ضغط على الإدارة الأمريكية رغم ان الرئيس ترامب وقع كأسلافه تأجيل نقل السفارة ست شهور مما يفتح المجال باستمرار الوضع على ما كان عليه بعدم نقلها، ولكن خطوات إسرائيل والجولات الخارجية التي يقوم بها رئيس الوزراء الاسرائيلي لإقناع دول العالم بنقل سفاراتها تباعا تمهيدا للخطوة الثانية وهي نقل السفارات في القدس الشرقية وليس الغربية وتمهيدا أيضا لهدم المسجد الاقصى كما صرح قائد الحرس الثوري الإيراني محمد على جعفري في 9 ديسمبر 2017.


لكن تصريح العديد من دول العالم بعدم الاحتذاء بأمريكا كان واضحا ويجب أن يشجع الفلسطينيين والعرب لاتخاذ رد فعل أكثر حسما مثل إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد وعاصمتها مدينة القدس. واتباع ذلك باعتراف الدول العربية والإسلامية والدول النامية بدولة فلسطين أو الانسحاب من اتفاقية أوسلو أو تقديم السلطة الفلسطينية لاستقالتها، وكذلك طرح بديل عن الولايات المتحدة لرعاية عملية السلام في الشرق الأوسط.