التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 12:56 ص , بتوقيت القاهرة

تقييم وضع المرأة العربية بعد الثورات العربية.. «رؤية تحليلية»

إعداد- د. سماء سليمان


مازالت المرأة تشغل بال الكتاب من الرجال والسيدات في كافة أنحاء العالم، الأمر الذي وصل إلى أصدار نظرية تحمل اسم "النظرية النسوية"، وهذا يعكس الأهمية والمكانة التي يراها هؤلاء في المرأة، وقد كان نتيجة هذا الاهتمام ارتفاع مكانة وتمثيل المرأة في الكثير من الدول المتقدمة، إلا أنه بالنظر إلى المرأة في الدول العربية نجد هناك تباينا مماثلا أيضا للتباين في وضع المرأة في هذه الدول.


ولأن الدول العربية شهدت موجة تغيير للأنظمة، فقد اتجه الاهتمام إلى رصد التغير الذي حدث للمرأة العربية بعد الثورات العربية، ولكن قبل تقييم وضع المرأة العربية بعد الثورات العربية، يجب التطرق إلى عدد من الملاحظات كالتالي:


أنه يصعب المقارنة الدقيقة بين وضع المرأة العربية قبل الثورات العربية، لأن الدول العربية متباينة في التاريخ وكذلك في الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومن ثم تختلف الدول العربية في منظومتها القيمية ونظرتها للمرأة ولدورها في المجتمع.


فمصر على سبيل المثال انفردت بتجربة التحديث بقيادة محمد على باشا، والتي ركزت فيها على ضرورة تعليم البنات، وما تبع ذلك من ريادة مصر في تعليم المرأة واسبقيتها عن قريناتها في الدول العربية لدخول الجامعة والعمل والوصول بنسب متفاوتة في المناصب القيادية العليا إلا أنها لم تدخل البرلمان إلا عام 1957، أي أن التحديث في الدول لم ينعكس على وضع المرأة في الدولة الواحدة بنفس الدرجة في كافة المجالات، كما أن نسبة تمثيلها في البرلمان لا يعكس نسبتها العددية في المجتمع، أما باقي الدول العربية التي تشكلت كدول قومية بعد الثورة العربية عام 1923 لم تمر بتجربة مماثلة لتجربة مصر في عصر محمد علي باشا.


لا يمكن التعامل مع الدول العربية ككيان متجانس فالـ 22 دولة ليست في وضع ثابت؛ فهي تخضع لعمليات تغيير مستمرة، خاصة أنها تفاوتت في حصولها على الاستقلال، وبالتالي اختلفت فيما بينها في تمكين المرأة في مواقع صنع القرار، فمن خلال التطرق إلى تاريخ تقلد المرأة العربية أعلى منصب وصلت إليه وهو "وزيرة " نجد أنه رغم أن العراق تاسع دولة عربية تحصل على استقلالها في 14 يوليو 1958، إلا أنها أول دولة عربية تعين امرأة في منصب وزيرة في وزارة عبد الكريم قاسم عام 1959 وهي "د.نزيهة الدليمي" وزيرة البلديات، والتي يطلق عليها "أم الوزيرات العراقيات"، تلتها مصر حيث عينت أول وزيرة لها عام 1962 أي بعد عشر سنوات من ثورة يوليو 1952 وهي "د. حكمت أبو زيد" وزيرة الشؤون الاجتماعية، وعينت السودان ـ سادس دولة مستقلة في 1 يناير 1956ـ أول وزيرة للشؤون الاجتماعية عام 1973 "د. فاطمة عبد المحمود" وقد كانت عضوًا بالبرلمان السوداني وعميدة المعهد العربي لصحة الأم والطفل بجامعة الخرطوم, ثم تقلدت منصب وزيرة الصحة بعد ذلك، في حين عينت سوريا ـ ثاني دولة مستقلة في 17 إبريل 1946 ـ أول وزيرة عام 1976 بعد ثلاثين عامًا من الاستقلال وهي السيدة "نجاح العطار" وزيرة للثقافة، وبقيت في منصبها هذا عدة وزارات متتالية، وبقيت معها الثقافة في سورية "شأنًا نسويًا" حتى عام 2003.


وفي فلسطين عينت "انتصار الوزير" -أول وزيرة في سلطة الحكم الذاتي- وزيرة للشؤون الاجتماعية عام 1994، وفي جيبوتي تولت أول امرأة منصب وزيرة عام 1999 أي بعد اثنين وعشرين عامًا من الاستقلال الذي تم في 27 يونيو 1977 وهي حواء أحمد يوسف وزيرة المرأة والعائلة والشؤون الاجتماعية، وفي اليمن تم بتعيين "د. وهيبة غالب فارع" عام 2001 وزيرة الدولة لحقوق الإنسان بعد أكثر من أربعين عامًا من الاستقلال في14 أكتوبر 1963، وفي أكتوبر 2003 – بعد 59 عامًا من الاستقلال في15 مايو 1946 - ضمت حكومة رئيس الوزراء الأردني فيصل الفايز 3 نساء لأول مرة في تاريخ الوزارات الأردنية من واقع 20 وزيرًا؛ حيث تولت أسمى خضر منصب الناطقة الرسمية باسم الحكومة بدرجة وزير، وتم دمج بعض الوزارات منها وزارة البيئة مع وزارة السياحة وتتولاها علياء بوران سفيرة الأردن السابقة في بلجيكا، فيما تتولى أمل فرحات وزارة البلدية والقروية.


وبعد 62 عامًا أي أكثر من نصف قرن من استقلالها، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، تم إدخال العنصر النسائي المعترك السياسي من باب الحكومة في لبنان -أول دولة مستقلة في 22 نوفمبر 1943- وقد تم تعيين سيدتين في حكومة الرئيس عمر كرامي في ديسمبر 2004 وهما وفاء الضيقة حمزة وزيرة دولة وليلى الصلح وزيرة للصناعة.


وتختلف دول مجلس التعاون الخليجي عن باقي الدول العربية، فقد حصلت على استقلالها في السبعينيات أي بعد ثلاثين عامًا من حصول أول دولة عربية على استقلالها –وهي لبنان 1943- وتم تعيين أول وزيرة خليجية في سلطنة عمان بمرسوم سلطاني صدر يوم 4 مارس2003، وهي: "عائشة بنت خلفان السيابية" رئيسة للهيئة العامة للصناعات الحرفية بمرتبة وزيرة, كما عينت قطر شيخة المحمود وزيرة للتربية والتعليم في نوفمبر عام 2003, وعينت البحرين د. ندى حفاظ وزيرة للصحة في21 إبريل2004, ثم د. فاطمة البلوشي وزيرة للشئون الاجتماعية في 14 يناير 2005 ، كما صدر في الإمارات مرسوم اتحادي في الأول من نوفمبر 2004 بتعديل تشكيل مجلس الوزراء, ونص المرسوم على تعيين الشيخة لبنى القاسمي وزيرة للاقتصاد والتخطيط. وأخيرًا تم تعيين أول وزيرة كويتية هي الدكتورة معصومة المبارك وزيرة التخطيط والتنمية الإدارية في 15 أكتوبر 2005 لتلحق بركب المرأة الخليجية والعربية.


تقييم وضع المرأة العربية بعد الثورات:


أولاً: بداية يمكن القول أن الثورات العربية تتفق في الأسباب العامة لقيامها مثل تداول السلطة وعدم وجود عدالة أو مساواة إلا أنه من الملاحظ أن المطالبة بحقوق المرأة لم تتصدر الأسباب العامة والرئيسية للثورات العربية رغم ما شهدته هذه الثورات من مشاركة ملحوظة وجادة ومؤثرة من المرأة.


ثانيا: من الملاحظ أن الثورات تتأثر ببعضها البعض، حيث تم تناقل الشعارات التي تم ترديدها من قبل الثوار والتي على رأسها "الشعب يريد إسقاط النظام".


وعلى المستوى السياسي، كان للأداء السيء لبرلمان مصر عام 2012 والذي تم انتخابه بعد الثورة المصرية والذي كان أغلبية أعضائه من الإخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسي، أن المرأة في ليبيا لم تعط صوتها للتيار الإسلامي في البرلمان ومن ثم كانت نسبة تمثيلهم متقاربة مع حجمهم الحقيقي في المجتمع الليبي.


كما كان لقيام ثورة 30 يونيه في مصر وإسقاطها حكم الإخوان المسلمين أثرا مدويا على حزب النهضة في تونس الذي تراجع وخضع للرغبة الشعبية في تشكيل حكومة ليبرالية وانتخاب برلمان يعكس حجم الحزب في تونس.


استقر الوضع في مصر وتونس فقط في حين مازال الوضع غير مستقر في كل من ليبيا واليمن وسوريا، مما يعني أن المرأة في هذه الدول تعاني مشاكل كثير متباينة من دولة لأخرى.


ثالثا: تم التوثيق لهذه الثورات بنشر أفلام على موقع اليوتيوب والتي عكست المشاركة الحقيقية والملحوظة للمرأة في الثورات العربية.


رابعا: تباينت المرأة العربية في نوعية المشكلات التي تعرضت لها بعد الثورات كالتالي:


الاغتصابات الجماعية:


تعرضت المرأة المصرية للاغتصاب الجماعي في الميدان وخاصة في التجمعات التي تم الدعوة لها في أيام "الجمعة" التالية لتنحي النظام السابق، وهو الأمر الذي يمكن ربطه بأنه أمر مدبر في كثير من الحالات، فظهور التحرش الجماعي في فترة الرئيس محمد حسني مبارك، كان الترتيب لها لإثارة الشعب وزيادة نقمته على النظام والتركيز على عدم قدرته على تحقيق الأمن للمرأة والحفاظ على شرفها لتقليب الرأي العام والتمهيد للثورات فضلا عن غيرها من القضايا التي كانت سببا في قيام الثورة.


ومن الملاحظ ان ظهور الاغتصابات الجماعية في ميدان التحرير مهد الثورة كانت تحدث في فترة المجلس الاعلى للقوات المسلحة للضغط عليه لتسليم السلطة، وعدم قدرته على حماية شرف المرأة.


ومن ثم تم استخدام المرأة كأحد أدوات اثارة السخط الشعبي أمام المجلس العسكري وذلك لتضم صوتها إلى صوت القوى المحركة من خلف الستار والتي عرفت بأنها جماعة الإخوان المسلمين لتسلم السلطة، وقد كان للأداة الإعلامية اليد الطولى في مساندة جماعة الإخوان في مصر، ولعل حادثة تعرية الفتاة والتي اطلق عليها "ست البنات" والتي تصدرت صورتها ليس الصحف المصرية فقط ولكن الأجنبية الموالية لتغيير الحكم في مصر وتسليمه للإخوان المسلمين.


في حين لم يحدث تحرش او اغتصابات في فترة حكم الاخوان، وبعد نجاح الرئيس عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية تم اغتصاب امرأة في الميدان أثناء احتفال مؤيدي الرئيس لنجاحه في الانتخابات الرئاسية، للانتقام من دور المرأة في مطالبة الرئيس بالترشح واطلاق حملة كمل جميلك وتصويتها في الانتخابات الرئاسية له بل والرقص في اللجان الانتخابية قبل الإدلاء بأصواتهن في اللجان، حيث قام الرئيس بزيارتها لإرسال رسالة تطمين للسيدات وتم تشديد العقوبة .


زواج النكاح:


تعرضت المرأة المصرية في اعتصام رابعة والنهضة لهذه المشكلة، حيث تم إصدار فتاوى دينية بأن الزنا حلال في هذه الظروف الاستثنائية والأمر الأشد غرابة هو قبول عدد من السيدات لهذا الأمر واحساسهن بأنهن يقومون بعمل جلل، انتشر هذا الأمر على نطاق أوسع في سوريا التي أُستقدِم فيها من قبل دول وأجهزة استخباراتية لمقاتلين بدون زوجاتهم، ليكرروا نفس الفتاوى ويستقطبوا أعداد كبيرة من الفتيات والسيدات.


السبايا:


ظهرت هذه الظاهرة في العراق ثم انتقلت إلى الثورة السورية حيث تم التعامل مع المرأة على أنها سلعة تباع وتشترى مستندين على ذلك بفتاوى وكتب مشكوك في صحتها من قبل كتب قديمة.


المرأة عورة:


ظهرت هذه المشكلة أثناء الانتخابات البرلمانية المصرية والليبية في عام 2012، حيث ترمز المرشحات لنفسهن في الانتخابات برمز مثل الوردة أو ان تضع صورة لها بالنقاب، فضلا عن عقد الأحزاب الدينية لمؤتمرات عن دور المرأة في المجتمع ويكون المتحدثون على المنصة من الرجال وأيضا الجمهور من الرجال.


مما يعني عدم الرغبة في عمل المرأة العام إلا بشروط من حيث الشكل والملبس، وهذا ظلم تعرضت له المرأة بعد الثورات يؤدي للتراجع عن المكتسبات التي حاربت كثيرا من أجل الحصول عليها.


تولي المناصب العليا:


كان هناك مواجهة من قبل التيار الإسلامي وخاصة في مصر ضد تولى المرأة لمناصب عليا، فرغم وعد الرئيس محمد مرسي اثناء فترة ترشحه وعرضه لبرنامجه الانتخابي بتعيين نائبين الاول امرأة والآخر مسيحي عندما يصل للحكم، إلا أن السلفيين والاخوان رفضوا تولى المرأة على الرجال وبالتالي تم تعيينهم تحت مسمى مساعد الرئيس للشؤون السياسية د. باكينام الشرقاوي ومساعد الرئيس لشؤون التحول الديمقراطي د. سمير مرقص.


تراجع تمثيل المرأة السياسي في البرلمان:


شهدت نسبة التمثيل السياسي للمرأة في البرلمان المصري تراجعا في فترة حكم الإخوان المسلمين حيث وصل نسبة تمثيلها في برلمان 2012 نحو 2.1 % في حين وصلت نسبتها 12% في برلمان 2010، لتعود بنسبة 16% في برلمان 2015.


استقرار المفاهيم حول المرأة ولغة الخطاب عنها كما هو قبل الثورات:


لم تتغير طريقة طرح مشكلة المرأة بنفس المفردات قبل وبعد الثورات ومن أمثلتها الكثير من الجمل التي بحاجة لمزيد من التفسير والتحليل لأن ترديدها يكون في فترات بعينها ويهدف إلى بقاء وضع المرأة على ما هو عليه مثل: (المرأة عدو المرأة)، (المرأة من تربي متطرفين)، (المرأة هي ليست نصف المجتمع ولكنها كل المجتمع)، (المرأة متخاذلة ولم تثبت دورها)، (المرأة سلعة)، (مجهودها البدني اقل من الرجل)، (ناقصة عقل ودين)، (لو انكسرت المرأة سينكسر المجتمع).


وأخيرا يجب التأكيد أن المقارنة بين وضع المرأة في الدول العربية المتباينة في التاريخ والظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، أمر من شأنه أن يؤدي لمزيد من التراجع لوضعها في هذه الدول فلكل دولة خصوصيتها التي يجب أخذها في الاعتبار عند التقييم والمقارنة.


يصعب القول أن الثورات العربية التي شهدت مشاركة للمرأة بشكل كبير كان لها تأثير على تغيير وضعها للأفضل بل بالعكس أدت هذه الثورات إلى ظهور مشكلات جديدة على مجتمعاتنا العربية والتي مست المرأة بضرر بالغ وتسببت في تشويهها فكريا ومعنويا.


أن تغيير وضع المرأة في الدول العربية مرهون بوضع لغة خطاب جديدة حيث أصبحت هذه اللغة بالية ويصعب استخدامها وتجديدها، وبالتالي علينا بالعمل على استقرار مفاهيم جديدة في الأذهان عن المجتمع والمرأة.