التوقيت السبت، 27 أبريل 2024
التوقيت 04:59 ص , بتوقيت القاهرة

مصر ورسائل السيسي إلى العالم.. ما الذي تغير؟

ماذا حدث لمصر؟ وما الذي تغير فيها؟ ومَنْ الذي منحها تلك القدرة لتتماسك وتنهض من كبوتها، وتلملم شتاتها بعد نحو أربع سنوات، كادت - لاقدر الله- أن تنزلق إلى الهاوية، وتصير إلى غياهب الجب، وقد تصبح نسيًا منسيًا؟


منذ أحداث 25 يناير 2011 وحتى ثورة 30 يونيو 2013، كانت معظم التحليلات السياسية، والتقارير والدراسات المحلية والدولية تشير إلى أن مصر «رايحة في داهية». نعم «رايحة في داهية» بالمعنى الحرفي للجملة. وكانت توقعات أكثر المتفائلين تشير إلى أن من الممكن أن تعاود مصر الوقوف على قدمها قبل عشرة أعوام، على أقل تقدير.


هؤلاء المتفائلون استندوا في تكوين رؤيتهم على حسابات، وواقع يراه العميان قبل المبصرين. ولِمَ لا وأجهزة استخبارات أجنبية كانت تقود مخططات تقسيم البلاد وتفتيتها، وتسليمها لعملائها. ويد الإرهاب تحصد أرواح أبنائنا من رجال الأمن والمدنيين الآمنين. والسياحة دخلت الإنعاش، والاقتصاد أوشك على الانهيار، والاحتياطي النقدي الأجنبي في البنك المركزي وصل إلى أدنى مستوى حرج، واضطررنا إلى قبول مساعدات ومنح وقروض ميسرة من أشقاء مخلصين؛ لسداد التزامات الموظفين، وتوفير احتياجات المواطنين، دون أن يشعروا بمخاطر الأزمة التي تمر بها مصر في هذا التوقيت العصيب.


وللأسف، صاحب كل هذه الأحداث تراجع الدور المصري سياسيًا ودبلوماسيًا، ولم تعد القاهرة لها نفس الثقل الإقليمي والدولي السابقين، ووصل الأمر ببعض الدول التي لا تكاد ترى بالعين المجردة، أن تتجرأ على «أم الدنيا»، وتوهمت أنها- بنفطها وأموالها الوفيرة- أن «تتعملق» وتلعب نفس الدور المصري في القضايا والملفات الخطيرة.


هل مرور الأسد بـ«وعكة» معناه السماح للفئران بـ«التنطيط» على كتفيه؟ وهل تراجع دور القاهرة- لأسباب عارضة- معناه إتاحة الفرصة للأقزام بالتعملق على حسابها؟ بالطبع لا. فما أن بدأ الأسد المصري يسترد عافيته حتى توارت الحشرات، وعرفت حجمها الطبيعي.


في السنوات الثلاث الأخيرة سجلت مصر أهدافًا إقليمية ودولية، وأجبرت العالم على الوقوف لها احترامًا، وتعظيمًا، وتقديرًا، واعترافًا بقدرتها على التأثير، والإمساك بزمام الأمور في عدد من الملفات والقضايا الخطيرة في المنطقة.


ولعل نجاح الإدارة المصرية في التوصل إلى اتفاق بين الفصائل الفلسطينة والحكومة الشرعية بقيادة الرئيس محمود عباس «أبو مازن»، خير دليل على ثقل مصر.


فإلى وقت قريب كان «تنظيم الحمدين» في قطر يستضيف قادة الحركات والفصائل الفلسطينية، ولم يبخل عليهم بالدعم المادي واللوجيستي.. وعلى الرغم من ذلك لم تستطع الدوحة التوصل إلى نقطة التقاء بين هذه الفصائل وحكومة أبو مازن. لكن مصر فعلتها، وأثبتت للعالم كله أنه لا مفر من الرضوخ للرؤية المصرية في هذا الملف الشائك.


مصر نجحت فيما فشلت فيه دول عربية وإفريقية وغربية كبرى. القاهرة أثبتت أنها الوحيدة في المنطقة صاحبة التأثير على على الفصائل والحركات الفلسطينية، وأجبرتهم على العودة والاعتراف بالحكومة الفلسطينية، والإقرار بأنها هي الجهة الوحيدة الشرعية والانضمام تحت لوائها، وإلغاء اللجنة الإدارية في قطاع غزة، وتسليم الوزارات لحكومة «أبو مازن». ألا يستحق هذا الاتفاق تعظيم سلام للدولة المصرية؟!


وقبل الملف الفلسطيني، كانت الإدارة المصرية حاضرة دومًا في ليبيا. وتصدت القاهرة لمخططات تقسيم الجارة الشقيقة وإغراق شعبها في بحور من الدماء. وحققت نجاحًا باهرًا في توحيد الفصائل العسكرية الليبية على قلب المشير «خليفة حفتر»، وأن تكون الألوية المسلحة تابعة للجيش الوطني الليبي بمنتهى الرضا.. ألا يستحق ذلك تعظيم سلام للدولة المصرية؟!


وبعد أن كان «تنظيم الحمدين» يعيث فسادًا وإفسادًا في دول المنطقة، ويمول الحركات والتنظيمات الإرهابية بالمال والسلاح، وظن أن لن يقدر عليه أحد، وأن أي دولة في المنطقة لن تستطيع التصدي له ولممارساته الإجرامية وتدخله السافر في شؤون الدول العربية.. ها هي مصر تقلب الطاولة على الحكومة القطرية، وأفقدتها توازنها، وجعلتها مشغولة بنفسها، وتحاول البحث عن مخرج من أزمتها الحالية.


الدوحة- إلى وقت قريب جدًا- كانت تشتري ذمم مسؤولين دوليين مقابل حصولها على امتيازات، ولعب دور أكبر من حجمها. حصلت على حق تنظيم كأس العالم بـ«الرشوة». وبـ«الرشوة» أيضًا تغاضى العالم عن إيوائها الإرهاربيين، واستضافتها لأمراء الإرهاب على أراضيها، وتقديم كل ألوان الدعم للميليشيات الإرهابية؛ لتفتيت الدول العربية، كما حدث في سوريا وليبيا ومصر.


منذ أشهر قليلة، وعندما كانت مصر تقدم أدلة وبراهين تثبت دعم قطر ورعايتها للإرهاب في المنطقة، كان تنظيم الحمدين يخرج علينا بعنجهيته ليقول: «نرفض الخطاب المصري الذي يزج بقطر في دعم الإرهاب». ولم يكتفِ نظام تميم بذلك، بل سلط وسائل إعلامه- وعلى رأسها قناة الجزيرة- للنيل من مصر ورئيسها؛ ظنًا منه أن صمت القاهرة على الإساءة ضعفًا.


مصر- كعادتها- كانت تمهل الحكومة القطرية؛ لتكف عن ممارساتها، لكن عندما تمادت الدوحة في غيها وضلالها، فضحت القاهرة ممارساتها الإجرامية في المحافل الدولية، وأصابت تنظيم الحمدين في مقتل، وجعلت العالم يشير إليها بأصابع الاتهام بدعمها الإرهاب. ولم تفلح جولات «تميم» الأوروبية في تبييض وجهه.. ألا يستحق ذلك تعظيم سلام للدولة المصرية؟!


وفي خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي ألقاه في الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وجه السيسي رسائل إلى العالم، أكد فيها أن التمسك بمشروع الدولة الوطنية الحديثة هو المخرج الوحيد من أزمات المنطقة، وأن مصر لن تسمح باستمرار محاولات العبث بوحدة وسلامة ليبيا، والتأكيد على رفض استغلال الأزمة السورية لبناء موطئ نفوذ دولية أو إقليمية، ودعوة الفلسطينيين إلى الاتحاد خلف الهدف والاستعداد للتعايش مع الآخر، ومطالبة الإسرائيليين بالوقوف وراء قيادتهم لإنجاح عملية السلام.. كل ذلك ألا يستحق تعظيم سلام للدولة المصرية؟!


والحقيقة التي لا تقبل التشكيك، أن كل ما سبق ما كان سيتحقق إلا بفضل الله، ثم بوقوف الشعب صفًا واحدًا خلف القيادة السياسية، وتقبلهم لحزمة القرارات والإجراءات الصعبة التي اتخذتها الحكومة لمواجهة العجز الاقتصادي، وصمودهم وتصديهم لكل المحاولات الدنيئة والخسيسة التي حاولت زعزعة استقرار مصر، والنيل من وحدة المصريين.


أخيرًا، ربما يقول السفهاء من الناس: وما الاستفادة التي ستعود علينا «داخليًا» من كل ما سبق؟


وعلى الرغم من أن هؤلاء لا يستحقون عناء الرد عليهم، إلا أننا سوف نخصص لهم مقالًا آخر؛ علهم يهتدون.