التوقيت الثلاثاء، 16 أبريل 2024
التوقيت 12:07 م , بتوقيت القاهرة

«نكاح النملة».. حلال أم حرام؟!

لا أحد ينكر دور الفتوى، ولا أحد ينكر على أحد سؤاله عن ما غُمَّ عليه؛ ليعرف أمور دينه ودنياه، ويقف على حدود الله وأوامره ونواهيه. ولا شك أن التطور السريع الذي نشهده في جميع المجالات جعل الناس في حاجة إلى مَنْ يبين لهم الرأي الشرعي والفقهي في قضايا ومستجدات أكثر إلحاحًا من أي عصر مضي.


لكن ماذا يفعل فضيلة «المفتي»- أي مفتٍ- لو وُجه إليه سؤال، ولو كان تافهًا؟ أيجيب عنه، أم يتركه؟ وماذا لو عُرضت عليه أسئلة قد «تثير الجدل»، وربما تجلب السخط عليه والسخرية منه، هل يتصدى بالرد عليها أم يعتبرها كأن لم تكن؟


لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن فتاوى لا تمت للشرع بصلة، ولا نبالغ حين نقول إن مُطلقها قد يسعى إلى إحداث «فرقعة إعلامية»؛ بغرض تسليط الأضواء عليه، وحصوله على شهرة زائلة. تمامًا كما فعل أحد المنتسبين إلى الأزهر، ومنح نفسه لقب «مفتي أستراليا»، وغيره كثيرون.


تروي كتب التراث أن بعض العراقيين قَدِموا إلى المدينة، وسألوا «عبد الله بن عمر» عن «حكم دم البرغوث، وهل ينجس الثوب أم لا؟» فأجابهم متهكمًا ساخرًا من «تدينهم المغشوش»: «تقتلون الحسين ابن بنت رسول الله بدم بارد وتسألون عن حكم دم البرغوث»!


ويقال إن شخصًا سأل أحد الشيوخ: هل أكل «لحم الجن» حلال أم حرام؟ فأفحمه الشيخ برد فاحم ساخر: «امسك الجن الأول وبعدين نشوف موضوع لحمه ده»!


ومنذ بضعة أيام أثارت فتوى «مضاجعة الوداع»، التي تبيح للزوج «وطء الزوجة المتوفاة» بلبلة، وجدلًا وسخطًا واسعًا، ليس على مُطلق الفتوى فقط، بل إن سهام السخط طالت المؤسسة الأزهرية نفسها.


الفتوى أطلقها الدكتور صبري عبد الرؤوف، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، وقال إنه «تجوز للزوج معاشرة الزوجة المتوفاة»، وأوضح أن هذا الأمر «حلال، لكن أين النفس البشرية التي تقبل هذا؟!».. مضيفًا- في برنامج تليفزيوني- أن «الأمر شاذ، لكنه لا يندرج تحت حكم الزنا، وإن أتى به الزوج، فهو مخالف للمألوف، ولا يعاقب عليه كحكم الزنا، ويستوجب على ولي الأمر تعزير الزوج إن فعل ذلك»!


العالم الأزهري تراجع عن فتواه. أوضح ما كان يقصد. اتهم البعض بتحريف الفتوى، على الرغم من أن الفتوى كانت بـ«الصوت والصورة»، ومذاعة على الهواء. ولا أعلم كيف لعالم بمكانة الدكتور صبري أن يقع في هذا الخطأ العظيم؟ ألا يعلم فضيلته أنه قد يفتح بابًا لإباحة هذا الصنيع «المقزز» الذي تعافه النفس البشرية؟ وألا يعلم فضيلته أن إباحته لهذا الأمر المنفر يتعارض مع ما أجمع عليه جمهرة الفقهاء بـ«تحريم وطء الميتة»!


دعونا من آراء العلماء- مع كامل تقديرنا لهم ولآرائهم- وننظر إلى الزوج، هي «حبكت معاه»؟ هل هو بحاجة إلى فعل هذا التصرف «المقزز» حقًا؟ هل «شهوته» جامحة إلى الحد الذي لا يمكنه التحكم فيها، حتى يفرغها في فرج زوجته «الميتة»؟


ثم، وفي هذا الموقف «العصيب»، هل الزوج سيفكر في استخراج «تصريح الدفنة» أم سيضاجع زوجته «الميتة»، وبعد المضاجعة- إن حدثت- هل سيستخرج تصريح الدفنة من مكتب الصحة أم من «ماخور دعارة»؟ وهل سيأتي بكفن «أبيض» أم سيختار كفن «بمبمى مسخسخ»؟


والأسئلة الأهم: ماذا عن الزوجة التي مات زوجها؟ هل يجوز أن تضاجع «بعلها» الميت؟ وإن فعلت ذلك، فما الذي يضمن لها أن المرحوم «هيعرف»، حتى يقابل زملائه الأموات ورأسه «مرفوعة»؟!


نعلم أن كتب التراث مليئة بالآراء الصالحة والطالحة، بالفتاوى المعتبرة والشاذة، لكن ليس مطالبتنا بتنقية هذه الكتب أن نفتح الباب على مصراعيه لإصدار فتاوى ضررها أكبر من نفعها، والسكوت عنها أفضل من الخوض فيها. فالقاعدة الفقهية تقول: «درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة»، وأمثال هذه الفتاوى تجلب المفاسد وليس من ورائها أي منفعة. وأيًا كانت الظروف، هناك مسائل لا ينبغي الإفتاء فيها لـ«العامة»، وإنما يجب إبعاد المجتمع عنها.


للأسف، بعض الفضائيات والمواقع الإليكترونية باتت مسرحًا لكل مَنْ هب ودب، وأصبحت «تقتات» على بعض الشيوخ الذين «يتقيؤون» فتاوى شاذة ومتطرفة، ويتحفوننا بآرائهم «المضللة» التي لا علاقة لها بأصول الفقه أو ضوابط الفتوى.


من هنا نطالب بوضع ضوابط للفتوى، واقتصارها على جهات الاختصاص كمجمع البحوث الإسلامية، أو دار الإفتاء، ولجان الفتوى بالمحافظات؛ حتى لا يخرج علينا أحدهم ليفتينا في حكم «نكاح النملة»، وهل مضاجعتها حلالٌ أم حرام؟