التوقيت الأحد، 28 أبريل 2024
التوقيت 01:28 ص , بتوقيت القاهرة

هل يتغير إخوان مصر؟

في العام ،1947 شعر بعض شباب جماعة الإخوان ومنهم يوسف القرضاوي وأحمد العسال وجمال الدين عطية، أن جسد الجماعة يكبر بينما عقلها يضمر، ربما بفعل الإسراف في الحركة على حساب الوعي، وبفعل الزاد الفكري المحدود الذي يتلقونه، وكان هذا في حياة حسن البنا المؤسس صاحب الكاريزما والتأثير والقيادة الملهمة لدى قواعد الجماعة.


هداهم تفكيرهم إلى أن يجلسوا للتعلم من أساطين الفكر في هذا الزمان من غير أعضاء الجماعة، أو حتى المتعاطفين معها بل مع خصومها مثل العقاد الذي ظل غريما تقليديا للإخوان، بالنظر إلى كونه وفديا طوال حياته، وكذا محمود شاكر وغيرهم.


الغريب أن حسن البنا شجعهم على هذا المسعى وسميت التجربة بجماعة المشروع، والتي ربما عول عليها البنا نفسه في خلق مفكرين تفتقر لهم الجماعة، انتهت التجربة باغتيال حسن البنا ودخول الجماعة في ساحة الصراع السياسي المفتوح مع الأنظمة المتعاقبة، وبقيت آثار التجربة في سعى معظم أفرادها إلى التمايز فكرا وحركة، فأسس جمال الدين عطية مجلة المسلم المعاصر، والتي حاول من خلالها أن يؤسس لمنشط فكري بعيد عن أسوار الجماعة.


ورغم بقاء التجربة في شكل مجلة رصينة، إلا إنها لم تحظ بالتأثير المرجو منها، وبقيت محاولة فردية ذاتية مقطوعة الأثر بمسار الإخوان، بينما حاول القرضاوي أن يكون عالما وفقيها للعالم كله متمردا على قيود التنظيم، نجح في بعض الأحيان ثم غلبته عاطفته ليعود أسيرا للتنظيم، ثم لفريق على حساب فريق وهو ما بدا في تدوينة أخيرة له على "فيس بوك"، عن الخلاف الأخير بين مجموعتي الإخوان، أعلن فيها إنحيازه الضمني لفريق منهم، وهو الفريق المحسوب على جبهة الشباب التي ينطق باسمها محمد منتصر، خصوصا بعد أن أقدمت الجبهة الأخرى جبهة عزت التي يحتفظ القرضاوى لها بخصومة تاريخية، والتي يعتبرها انقلابا على أفكار حسن البنا لحساب أفكار سيد قطب التي لا يؤمن بها.


أصدرت جبهة عزت قرارا بفصل ثمانية من قيادات جبهة الشباب منهم عمرو دراج، ويحيى حامد، ورضا فهمي، وعلي بطيخ، وأحمد عبدالرحمن، وأشرف عبدالغفار، وهو ما استهجنه القرضاوي فقال على صفحته: "كم من جماعات وحركات أصابها الطغيان الخارجي أو التمزق الداخلي، أو الفتور والذبول وفقدان المبادرة والتجديد، نتيجة لمطامح أفراد فيها أبوا أن يخلوا مكانهم لغيرهم، ناسين أن الأرض تدور وأن الفلك يسير وأن العالم يتغير".


نعم العالم يتغير فهل تتغير الجماعة؟ نعم ربما تتغير لكن إلى أين؟ هل ستفصل الدعوى عن السيايس، وتمضي على خطى حركة النهضة في تونس؟ أشك.


البيئة الحاضنة لحركة النهضة في تونسعلمانية بامتياز، عمادها العقلنة والعصرنة والإيمان بالعلم والتجربة والاتصال بالواقع.


البيئة الحاضنة لإخوان مصر هي بيئة المظلومية التاريخية، التي تغذت على دماء أعضائها عبر التاريخ، ومن بقى منهم الآن  يتنفسون دخان الانتقام ويلحون على طلب الثأر، فضلا عن الانقسام بين فريقين أحدهما يرى التصعيد بكل الوسائل مع النظام، وفتح الباب للعنف المبرمج بحسب الطاقة، تدرجا من شوكة النكايات على قدر الكفايات، وصولا إلى توازن الرعب قبل الوصول إلى نزال الحسم عند امتلاك أدواته، وهؤلاء أعمت عيونهم مشاعر الثأر والكراهية والعزلة الشعورية والوجدانية التي صنعتها أفكار قطب، والتي تنطلق من اتهام الشعب بالجاهلية والردة عن الإسلام، أما الفريق الآخر والذي يمثله عزت ورفاقه ممن يملكون خيوط التنظيم ويسيطرون على الأموال والعلاقات الخارجية مع الأقطاب أمريكا وإنجلترا، والأهم عقول الأفراد عبر سيطرتهم الممتدة تاريخيا على لجنة التربية المسؤولة عن صياغة العقل الجمعي للإخوان، هؤلاء لا يخشون على شيء كخوفهم على التنظيم الذي بذلوا في الحفاظ على وجوده جهدا وعرقا ومالا وكل شيء، حتى لو بقى جثة كبيرة لا تبدو عليها أمارات الحياة أو التأثير.


كما لا يوجد طريق نجاة لمصر بين الإخوان بهيئتهم القديمة، ومجموعات المصالح التي تبادلت معهم حكم البلاد في بندول مله المصريون، لا يوجد أمل في تغيير أفكار الإخوان، ومن ثم سلوكهم إلا عبر الفريق الثالث بين مجموعتي الإخوان، ممن أدركو سر الداء هذا الوهم الكبير الذي أسمته الجماعة الحل الإسلامي والسعي لاستعادة الخلافة، هناك قيم إسلامية نعم ليتكم تقمصتموها، أما الحلول فتبقى بشرية، عمادها التجربة والمعرفة والخبرة والخيال، وقبول التنوع والانفتاح، وهي قيم بشرية لم تسمى نفسها عبر العصور إسلامية أو علمانية، فقط  قيم بشرية.


قد يتغير الإخوان لو فهم هذا الفريق الثالث من بينهم أن العلمانية ليست شرا، وأنها لا تعني مخاصمة قيم الدين، بل تضع لكل شيء فضائه المناسب وليسمونها بما أحبوا العقلنة مثلا، إذا كان ثمة حساسية من العلمنة التي تحفظ الدين والدنيا، بديلا عن الأسلمة التي تحول الدين إلى أيدلوجيا يختلف حولها الناس ويضيع معها ألق الدين وصفائه، بعدما تلوث بالبشري أو النسبي الذي لا يفترض أن يقترب من المطلقات.


قد يتغير الإخوان لو أحسنوا الصلة بالواقع وتأملوا تاريخهم، وأدركوا ما أدركه شباب 1947، أن الجماعة ظلت جسدا يكبر بقدر ما يصغر عقله، الذي أخشى أنه لم يعد موجودا والتحدي الحقيقي أمام الجماعة يبقى استعادته ربما يصبح قادرا على خلق  تغيير ما .