التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 04:29 م , بتوقيت القاهرة

هل بدأت الحرب على الفساد في مصر ؟

استيقظت مصر على خبر غير معتاد ، هو القبض على وزير الزراعة بعد استقالة بطعم الإقالة فى قضية فساد كبيرة، تحدثت الصحف عن أنها ربما تضم عددا آخر من وزراء الحكومة الحالية قدرعددهم بتسعة وزراء، وهو عدد إنْ صح فإنما يستلزم إقالة الحكومة بالكامل، كما يستلزم أيضا إجراء تغييرات على بعض الأجهزة الرقابية، التي قدمت تقارير غير دقيقة للسلطة، مكنت هؤلاء الوزراء من البقاء فى مناصبهم كل هذا الوقت، القضية أثير الحديث حولها قبل أن تبدأ إجراءات القبض على الوزيرين في إطار المعلومات أو الشائعات المتناثرة في فضاء الإنترنت، والحديث عن أن النظام السياسى قد لا يقوى على الإقدام على أي خطوة بحق الرؤوس الكبيرة فى مؤسسة الفساد المصرية، التي أصبحت منذ بداية التسعينات- ومع الولاية الثانية لمبارك- واقعا لايستطيع أحد تجاهل آثاره على حياة المصريين واقتصادهم المنهك.


 ارتفعت توقعات المصريين حول حدود المعركة المنتظرة مع الفساد، وهل ستكون مواجهة شاملة لكل مناحي الفساد في حياتنا، والتي لا تختزل فى قضايا الرشوة واستغلال النفوذ لتغطي كل الجرائم التى تتسبب في إفساد حياة المصريين، بمعنى محاكمة ومحاصرة أي فساد يتعلق بمقومات حياة المصريين، سواء الرقابة على الماء والهواء والغذاء بحيث ترقى جريمة إفساد أيا من تلك المقومات إلى تهمة القتل العمد، أو ما يتعلق بمواصفات الطرق ومركبات النقل العامة وسلوك رجال المرور،  ومحاصرة أي خروج على القانون أو استغلال النفوذ.


أتصور أن قانون الخدمة المدنية والإصرار على تمريره من قبل النظام السياسي،  يعكس إصرارا على المضى فى خطوات الإصلاح بروح العسكرية المصرية التي لا تتسامح مع التهاون في الأداء أو فساد الأداء، وهو ما يعانيه الجهاز الحكومي المُترهل الذى يعاند إرادة الإصلاح، بالشكل الذى حول بعض المؤسسات من مؤسسات خادمة للمواطن إلى مؤسسات لإذلاله وامتهان كرامته وتكفيره بالوطن.


 أنا شخصيا  ممن يتحسبون كثيرا ويتهيبون من كل مشهد اضطر فيه للتعامل مع جهاز أو هيئة أو مرفق حكومي، لأنى أعلم أن البيروقراطية والفساد لن تبخلا على بما يرفع ضغطي أو يدمر عقلي وأعصابي، قديما قالوا من أمن العقاب أساء الأدب، وفي جل مرافق العمل الحكومي جيوش من الموظفين يفتقرون للحد الأدنى من الإنسانية ويتفننون في إذلال من يقع تحت أيديهم، بإجراءات حقيقية أو مفتعلة لا تفتح باب التيسير أبدا، حتى من يحاول أن يكون إنسانا ويعمل بجد لا يجد من يكافئه، حيث فسدت المعايير بحيث لم يعد هناك فارق بين المجتهد والمهمل، بل أصبح الثانى قادرا على استخدام فنون الإفلات من العقاب وتحميل الآخرين من حسنى النية أوزاره.


إن مقاومة الترهل في الجهاز الحكومي والإصرار على وضع معايير لا تساوي بين المجد والمهمل درب من دروب مقاومة الفساد، إن تغليب معايير تكافؤ الفرص في التعيين والترقي والإصرار على كتابة توصيف وظيفي لكل مهمة، تكون أساسا لتقييم الأداء الذي يمر عبر معادلة تقارن العائد بالتكلفة فى كل مهمة، بحيث لا نكون أمام بطالة مقنعة فى العديد من القطاعات الحكومية، هل يتصور عاقل أن جهاز كالإذاعة والتلفزيون يضم عشرة آلاف موظف بالأمن فقط ثم يتباكى البعض على الريادة.


المعركة على الفساد ميادينها متنوعة لاتقف عند الموظف،  بل تصل الى التشريعات الفاسدة التي ينبغي على البرلمان القادم مراجعتها ووقف حصة النواب في الوظائف لتخضع لنفس المعايير التي نص عليها القانون دون محاباة لفئة أو شخص كذلك لابد من وجود طرق لمساءلة الوزير ورئيس الحكومة ورئيس الدولة في كل تصرف جر نفعا شخصيا أو تسبب في خسارة عامة سواء بالإهمال أو القصد أو حتى سوء التقدير.


حين يرسخ الحاكم تقاليد الانضباط وعدم التهاون في مقاومة الفساد، أيا كانت صوره أو أماكنه ويتجاوب مع سيل الشكاوى التي تزخر بها وسائل الإعلام وتوثق الفساد فى الكثير من القطاعات بالدولة ، بدءا من مجالس القرى والمدن والأحياء إلى الوزارات والهيئات المعنية بالرقابة نفسها.


لا نريد كبش فداء يذبح هنا أو هناك ، فيعطي إشارات مضلله ويرفع التوقعات دون استناد للواقع، بل حرب حقيقية على الفساد بتطبيق القانون بصرامة على الجميع، وبيقظة كل مؤسسات الرقابة والمتابعة وتنشيط رقابة وسائل الإعلام، التي ينبغي أن تصرف وقتا ومساحة أكبر لقضايا المواطن الذي يعاني يوميا في كافة مشاهد حياته ولا يهمه كثيرا طبيعة الخلافات بين الأحزاب أو الفنانين أو الرياضيين.


أتمنى ألا تكون القضية الأخيرة قفزة في الهواء أو سحابة من الدخان تعمي العيون أو الأنوف عن فساد عشش وفرخ ، ويحتاج مواجهة شاملة أتمنى أن يكون ما نشهده هو بدايتها.