التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 10:45 م , بتوقيت القاهرة

موسى وفرعون

في هذا الجزء من العالم، ولأسباب مفهومة، دائمًا ما يُقرأ القصص الديني في سياق "الأمة" وليس الفرد. تتغلب السياسة على تفسيرات النصوص. رغم أن الدين – أي دين – هو في الأساس علاقة بين المرء وربه. ولكن الأمور ليست بهذه البساطة في الركن "المقدس" من العالم، الأراضي مهد الديانات الواقعة من الفرات شرقًا للنيل غربًا والممتدة من المتوسط شمالًا لمشارف المحيط الهندي جنوبًا.


إلا أن هذا الإصرار على القراءة السياسية للقصص الديني يطمس عن عمدٍ أو جهل البعد الفردي للمغزى من كل قصة. وأشهر مثال على ذلك قصة موسى وفرعون.


تبدأ القصة بشخص ونبوءة بأن نهايته ستكون على يد طفل من طائفة معينة. يتصادف أن هذا الشخص حاكم لمصر ويتصادف أن هذا الطفل مولود لبني إسرائيل، وبني إسرائيل طائفة من السكان عاشوا في مصر ولكنهم لم يكونوا أبدًا مصريين!  


ماذا فعل الحاكم؟ بحث عن كل ذكر من هذه الطائفة تنطبق عليه المواصفات ليقتله. تذعر إحدى الأمهات فتلقي بطفلها في اليم عله ينجو! المفاجأة أن الطفل ينجو بالفعل. لا يغرق ولا يتوه مهده بين التيارات. تلتقطه يد زوجة الحاكم وتقرر أن تربيه.


تربى زعيم الثورة المنتظر في كنف الحاكم. لا تخبرنا القصص المختلفة عن علاقة موسى بفرعون في القصر. لا تخبرنا كيف عُرف أن موسى الطفل الملقوط من مهدٍ سابح عبرانيًا.  ولكن تخبرنا أن موسى قتل مصريًا ولم يكن له من مخرج من هذه الجريمة إلا الهروب من مصر. مما يدل أن نشأته في قصر الحاكم لم تغير من أمر ارتياب الحاكم في أمر موسى شيئًا.


هرب موسى من القوم الظالمين (لإنهم أرادوا أن يفتكوا به جزاء النفس التي قتل). وفي رحلة هروبه تزوج وعاش في خدمة نبي الله شعيب حتى انقضى الوقت الذي تعاهدا عليه فعزم على العودة إلى مصر.


في طريق عودته أتته أوامر الرب بأن يذهب إلى فرعون. كانت مطالب موسى من فرعون بسيطة ومشروعة. كان موسى يطلب العدل والحرية. لكن لسبب لا تذكره الكتب الدينية رفض فرعون.


كان رفض فرعون بداية الثورة "الموسوية". قابل موسى سحرة فرعون. خيرهم موسى أن يلقوا أو يلقي، فألقوا فأكل ما ألقى ما ألقوا. تستمر "الثورة" بعد موقعة السحرة وتتابع اللعنات (الآيات) على مصر. الطاعون والدم والضفادع حتى جاءت الضربة التي سلم بعدها فرعون لموسى وسمح له ولقومه بالخروج من مصر.


ولكن لسبب غير مفهوم قرر بعدها أن يتبع موسى وقومه، وطاردهم حتى وصلوا للبحر. وما إن حاصرهم حتى انشق البحر لموسى. فماذا فعل فرعون؟ تبعهم إلى البحر المشقوق، فغرق!


القصة رغم إنها تسرد قصة الحاكم والثورة عليه إلا أنها ينقصها الكثير لتستخدم كقرينة للاستدلال السياسي. فالقصة لا تُخبرنا لماذا يضطهد فرعون بني إسرائيل ولا تخبرنا عن حياة بني إسرائيل ما بين يوسف الذي أدخلهم مصر وموسى الذي خرج بهم منها. القصة لا تظهر أي تحركات لبني إسرائيل لمقاومة الظلم الواقع عليهم. فقط موسى بأمر إلهي تحرك منفردًا (مصحوبًا بأخيه هارون) لمواجهة فرعون.


القصة ينقصها الكثير حتى نعتبرها مصدرًا لاستلهام الدروس السياسية، اللهم إلا الدرس المكرر في أغلب قصص الأنبياء وهو التمرد على الوضع القائم مادام التمرد من أجل "الحق".


ما يستحق التوقف في القصة ليس فساد فرعون وبطشه ببني إسرائيل، ما يستحق التوقف هو سوء تقدير فرعون لإمكانياته. لماذا تبع فرعون موسى وقومه بعد سماحه لهم بالخروج؟ لماذا قرر أن عبور البحر المشقوق فكرة جيدة رغم أنه لا شك كان يذكر ويلات العشر لعنات؟ كيف ظن رغم تكرار التجارب أنه كفء لحرب رب موسى؟ 


الدرس الأهم – وليس الوحيد -  للقصة عن الغرور. ففرعون لم يقتله لا الكفر ولا الفساد. فرعون قتله الغرور،  كما سيقتلك لو لم تنتبه إليه.