التوقيت السبت، 18 مايو 2024
التوقيت 04:00 م , بتوقيت القاهرة

لأن (الحلال) ليس أفضل فلا تنتظر

يقولون إن الحلال أفضل وأن عليك أن تنتظر، ولكنّهم لم يقولوا لنا ماهو بالضبط ذلك الحلال، ولا قالوا لنا من قال لهم إنه أفضل، ولا عرفونا بالسبب الذي يجعلك تنتظر من أجله حتى لو كان الحلال أفضل.

حسنا إذن فوجهات النظر تتفاوت، فأنا لا أرى أن ما يزعمون كونه أفضل هو في بلدنا أفضل فعلا  وذلك لأسباب متعددة.

لأن (الحلال) ليس أفضل فأنتَ لست مضطرا أن تعيش سنوات من حياتك في حياة مزدوجة تماما، ما تقوله في العلن غير ما تفعله في السر، ماتهاجمه بجنون وعصبية متحدثا عن الأخلاق والفضيلة والعفة وعن ناكح يده إلخ هو ما تقضي وقتك بالساعات بحثًا عنه بمنتهي الشغف والاهتمام. ولأنه ليس أفضل فلستِ مُضطرة للتمثيل على كل ذكر تعرفينه بأنه الأول والأخير، فيما هو في واقع الأمر مجرد استبن أو (فردة احتياطي) أو (عصفور في اليد) لحين توافر( الأكثر مالا ووسامة).

ولأن الحلال ليس أفضل فلن تضطر لملء صفحاتك الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي بالأدعية والابتهالات والتواشيح والآيات والأحاديث والترانيم، بينما يمتلئ صندوق بريدك الخاص بمحاولات التحرش والإغواء لهذه وتلك، الغريب أنها تحرشات بمداخل دينية أيضا، ولأنه ليس أفضل فلن تضطري لإخفاء صورك الشخصية وإعلان أنك منتقبة وتفتخرين، أو أن حجابكِ عفتكِ، وأن الحجاب هو الفطرة، بينما كل صور صفحاتكِ هي صور لفتيات منطلقات غير محجبات من الفنانات والرياضيات بل وحتى شخصيات الكرتون.

ولأن الحلال ليس أفضل فلن تضطر لاحتقار الفتاة التي تحبك بصدق فتمنحك قلبها أو جسدها فقط لأنها تُحبكَ، بينما تحترم فتاة أخرى اعتبرت قلبها وجسدها لمن يرتضيه شيخ قبيلتها، والذي تصادف أنه أنت لأسباب مادية أو عائلية، ولأنه ليس أفضل فلن تقومي باستهجان من يُحبك بصدقٍ فقط لأنه غير قادرٍ على إكمال نفقات ما تعتبرينه زواجًا يليق بك.

الحلال ليس أفضل لأنك تأخذ القرار إليه، لا بعقلك بل بضغط غرائزك الحسية المباشرة التي تجعلك تعاني كبتًا دائمًا، والتي ما إن تتخلص منها حتى تكتشف أنك قد تكون في ورطة كبرى لن تخرج منها إلا بصعوبة شديدة وبتكلفة نفسية هائلة بخلاف التكلفة المالية، وهو ليس أفضل لأنكِ تتخذين قرارك إليه تحت ضغط المجتمع ونظرات الشفقة أو السخرية في عيون كبيرات العائلة وكلمات الاستفزاز وافتخار الصديقات الشابات بأنهن ماقعدوش كتير واتخطفوا (من السوق) بسرعة، ليس أفضل لأنكما تبحثان عما يرضي الجميع إلا ما يرضيكما بالفعل.

الحلال ليس أفضل لأنك لن تجد من تدخل عليك مطالبة إياك بالمهر والشبكة والقائمة والشقة والأثاث والديكورات والفستان بل وقد تطلب منك تأمين مستقبلها، وهو ليس أفضل لأن من يدفع كل هذا غالبا سيتعامل في قرارة نفسه على أنه اشترى جارية لخدمته ولمتعته الجنسية ولتربية أطفاله.

الحلال ليس أفضل لأن حلاله غير محدود بكِ ولأنه سيقول لك في يوم من الأيام الشرع حلل أربعة، ومادمت ارتضيتي الحلال أساسا فليس لك أن تعترضي (وكله بما يرضي الله)، وهو ليس أفضل لأنك لو خنتيه للامك الناس واحتقروك ولو خانكِ للامك الناس وطمعوا في جسدك تحت زعم مواساتك، ثم إذا نالوه احتقروكِ أيضا لأنهم مرضى.

لأن الحلال ليس أفضل فقد يُختنونكِ في سن مبكرة؛ ليمنعوكِ للأبد من الاستمتاع بحياتك فالحلال لا يكون إلا مرادفا للعذاب والقهر.

الحلال ليس أفضل لأنه يطالبك أن تتمتعي دائما بالسكينة والحياء والأدب والوقار، حتى لو عانيتي في حياتك العاطفية والجنسية لسنوات، فلا تتكلمي إلا بالرموز والألغاز وكأنك بلا مشاعر، وهو ليس أفضل لأنه يُمكنه أن يستعيض عن هذا كله بكلمة واحدة وهي (مش مريحاني)، دون حاجة لتفسير نوع عدم الراحة التي تقلق سيادته وحتى لو كانت فقط تبريرا لرغبته في مواصلة مهارات الإنسان الأول في الصيد والجمع والالتقاط ولكن لتلبية حاجاته الجنسية وليست الغذائية.

الحلال ليس أفضل لأنه يجعلكَ (كوبري) لمن تريد تحقيق حُلم الأمومة حتى لو لم ترغب في الزواج أو في الجنس وهو ليس أفضل لأنه يجعلكِ تقررين حياتك المستقبلية كلها على لحظات ومشاعر قابلة للتغير أو رغبات مكبوتة أو تصورات طفولية حالمة.

الحلال ليس أفضل لو كنتِ مسلمة لأنه قد يمنحكِ لاحقا لقب مطلقة، والذي يعني انفتاح أبواب جهنم عليكِ، وهو ليس أفضل لأنه يستطيع تطليقكِ بكلمة بينما قد تُطاردين المحاكم لسنوات لتحصلي على الطلاق أو قد تضطرين لرشوته للحصول على حريتك.

والحلال ليس أفضل لو كنتِ مسيحية لأنك ستضطرين لتحمل خطاياه على مضض على طول الخط، أو لتوثيقها لعرضها على كاهن لم يجرب المشاعر والجنس يومًا؛ ليقرر عنكِ كيف يجب أن تعيشي ولتفضحي الرجل الذي قد يكون والد طفلك لتحصلي على طلاق وعلى فرصة ذهبية لزواج ثان قد لا يحدث أبدا لتستمتعي بحرمانه من الاستمتاع بعلاقة شرعية بمن أحبها إلى الأبد وفق قوانين وتشريعات تملأها (النفسنة) إلى حد بعيد، الحلال هنا بالتأكيد ليس أفضل لأنه مرادف للحرمان والكبت والرغبة في الانتقام والتشهير في حدودها القصوى.

لأن الحلال ليس أفضل فستضحي بحياتك مع امراة لا تطيقها أو لم تعد تهتم لأمرها، فقط حرصًا على أطفالك؛ فتكون النتيجة أنك لو أنجبت البنات دون الولد فإنهن لن يحصلن على مقابل سنين تعبك من أموالك لهن وحدهن، أما لو أنجبت ذكرا واحدا لكفاك مؤونة العناء، وهو  ليس أفضل لأنك لو لم تكن قادرا على الإنجاب فلن تستطيع التبني أيضا، ولن تستطيع منح اسمك ولا منح مالك لمن تشاء فيشارك الآخرون من تحبهم في مالك قهرا وجبرا، بل وقد يحصل من تحبهم حقا على الفتات فهكذا قرر الحلال.

الحلال في بلدنا هو تجميعة لكل وسائل القهر والغش والمظهرية والازدواجية والنطاعة والنفسنة والحقد، ولأن الحلال ليس أفضل يا عزيزي فلا تنتظر، إذا جاءك الحب فلا تنتظر، إذا جاءتك السعادة فلا تنتظر، إذا هجرتك مشاعرك القديمة فلا تنتظر، إذا جاءوك قائلين هكذا قال الرب فلا تنظر إليهم ولا تنتظر.

 للتواصل مع الكاتب عبر فيس بوك