التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 01:19 م , بتوقيت القاهرة

جيمس بندق والمجاهدون الأفغان

في عالم مواز جيمس بوند شخص حقيقي وليس وليد أفكار إيان فليمنج. في عالم موازٍ، أنا وجيمس بوند أصدقاء ننقذ العالم مرتين يوميًا. وفي عالم موازٍ أدعوه بندق ويدعوني شيماء (عادي).


ولذلك لما أتاحت قناة MBC2 الفرصة لمشاهدة أفلام جيمس بوند يوميًا لمدة شهر لم يكن من الممكن أن أفوت هذه الفرصة. المشاهدة المتتابعة لسلسلة أفلام بوند - التي بدأ عرض أولها في عام 1962 - أتاح لي أن ألاحظ ما كنت أفوته عادة في مشاهدتي المتفرقة.


يمكن، مثلًا، ملاحظة التطور التكنولوجي وثورة الاتصالات التي جعلت من كل الاختراعات التي كانت تميز جيمس بوند غير مهمة. فيكفيه الآن هاتفه الذكي للقيام بكل شيء. ويمكننا أيضًا تتبع تطور دور "فتاة بوند" من الشقراء التي تنتظر الإنقاذ إلى الند المشارك في إنقاذ العالم.


كما تسجل أفلام بوند في خلفيتها دائمًا الصراع السياسي الدولي الأهم في وقتها. بدءًا من الحرب الباردة، مرورًا بحرب أفغانستان ووصولاً لتبعات انهيار الاتحاد السوفيتي. وكذلك الالتهاب ما بين الكوريتين وكارتلات المخدرات وتجارة السلاح، حتى الثورات الملونة وقلب الأنظمة.


لم يفت على جيمس بوند أن يكون في قلب كل الأحداث لينقذ العالم. وفي كل مرة لم يكن عدوه دولة أو مخابرات ما. في كل مرة كان العدو إرهابيا حرا Freelance Terrorist  يعمل وفقًا لأجندته الخاصة.


 يخبرنا جيمس بوند الكثير عن الإرهاب والإرهابيين. يخبرنا مثلًا أن الإرهابي شخص ذكي، يعلم بدقة ماذا يريد وكيف يحصل عليه. يعلمنا أن العلم صديق الإرهابي، ويؤكد في كل مرة أن الإرهابي لن يمكنك تمييزه من مظهره لأنه "عادي ممكن يكون cute وإرهابي".


لكن الملاحظة الأهم من مشاهدة رحلة جيمس بوند لإنقاذ العالم من الإرهابيين بكافة أشكالهم كانت بعد مشاهدة فيلم Living Daylights  (أضواء النهار الحية).


في هذا الفيلم قابل بوند المجاهدين الأفغان. إن كنت تظن أن لجيمس بوند دورًا في اغتيال بن لادن أو حرب الإرهاب في أفغانستان، تذكر أن بعض الظن إثم! كان لقاء بوند بالمجاهدين وديًا. لأنه تم في عام 1987. أي في عز معمعة الحرب السوفيتية الأفغانية وقبل انسحاب القوات السوفيتية بسنتين.


في هذا الوقت، كان "العالم الحر" يدعم  المجاهدين الأفغان لأنهم "محاربون من أجل الحرية". يمكنك البحث والقراءة في خلفيات هذا الدعم، أو يمكنك تسليم مفاتيح عقلك للكسل والاكتفاء بمشاهدة ما وثقه "توم هانكس" في فيلم "حرب تشارلي السرية".


دعمت الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى (بدون ذكر أسماء مصر والسعودية) المجاهدين الأفغان في حربهم ضد الاتحاد السوفيتي، "فما جاتش يعني على جيمس بوند"! فتعاون هو أيضًا مع المجاهدين في Living Daylights  حتى أن المجاهد الطيب ساهم في إنقاذ حياة جيمس بوند، والذي بدوره أنقذ العالم من شر جنرال سوفيتي خائن لوطنه وتاجر سلاح إرهابي!


لماذا إذن تحول هذا المجاهد الطيب المحارب من أجل الحرية والمدعوم من العالم الحر لإرهابي؟


والإجابة بسيطة جدًا.. المجاهد لم يكن أبدًا طيبًا ولا محاربًا من أجل الحرية! المجاهد كان إرهابيًا من اللحظة الأولي، لكن تصادف أن إرهابه كان موجهًا لأعداء "العالم الحر". فلما اختفى العدو المشترك عاد الإرهابي إرهابيًا والعالم الحر "حر".


المثير للسخرية في دعم "العالم الحر" للمجاهدين في حربهم ضد السوفيت في أفغانستان أن الغرب (وكذلك المجاهدين) كان يسعى "لتحرير" أفغانستان من أجل العمل على رخائها. ومنذ انسحاب السوفيت في سنة 1989 وأفغانستان في حرب أهلية لم تنته ليومنا هذا ولا يوجد ما يدل على قرب انتهائها. بين أفغانستان وبين "الحرية" و"الرخاء" في تقدير أكثر المتفائلين قرون!


الأكثر إثارة للسخرية مما سبق أن بعض الدول (بدون ذكر أسماء) التي ساعدت في وصول أفغانستان لرخائها الحالي تستخدم نفس سلاح "المجاهدين" من أجل "تحرير" دول أخرى (بدون ذكر أسماء الدول المصابة بطاعون الربيع العربي والدول المرشحة للإصابة به) من أسر "الديكتاتور".


ولسبب ما تظن تلك الدول أن النتيجة ستكون مختلفة هذه المرة. ربما لأنهم لم يشاهدوا جيمس بوند. أو ربما لإنهم لم يدركوا درس التاريخ الأهم بعد، لا حياة ولا حرية لأعداء الحرية والحياة.