التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 10:58 ص , بتوقيت القاهرة

تشريح الغيرة

تمتلئ "قصص الحب الجميلة" بمشاهد مختلفة للغيرة، حتى أن البعض يظن أن الغيرة والحب توائم ملتصقة. يولد الحب وتولد معه الغيرة. فالغيرة في جوهرها مشاعر خوف وغضب، خوف من فقد المحبوب وغضب من كل ما قد يؤدي إلى ذلك.


لكن الغيرة مشاعر أكثر عمقًا وأكثر تعقيدًا من ذلك، لأنها أكثر شمولًا من مجرد علاقة حب. فالغيرة لا تولد مع الحب، الغيرة تولد في أماكن المنافسة. فهناك الغيرة بين الإخوة والغيرة المهنية، حتى أن بعض الدراسات أثبتت أن بعض الحيوانات تُظهر ما يدل على شعورها بالغيرة. 


الغيرة في جزء منها غريزة، رد فعل تلقائي في صراع البقاء والحفاظ على النوع. وفي جزء منها خلل في العلاقة، أي علاقة سواء علاقة حب أو زمالة أو حتى أبناء وآباء. ولكن في جزئها الأكبر مشكلة شخصية جدًا. فالغيرة، رغم أنها مشاعر عالمية نمر بها جميعًا، ولكنّها لا تأخذ نفس الشكل ولا تنتج عن نفس المحفزات.


تبدأ الغيرة حينما يظن الشخص (الغيور) أنه على وشك خسارة شيء مهم، سواء كان هذا الشيء شخصا، أو علاقة، أو مرتبة اجتماعية، أو وظيفة .. إلخ. 
يجد الشخص نفسه في منافسة لم يختر لا توقيتها ولا ساحتها، ولم يختر فيها حتى المنافس. يشعر بالتهديد، وللتهديد واحد من ردين إما الهرب أو المحاربة.  


في الحالتين، الغيرة تهزم صاحبها! والسبب إن الغيرة ترتبط بمشاعر سلبية ليس تجاه المنافس ولا تجاه المحفز بل تجاه الشخص ذاته الذي يشعر بها. 


تظهر الغيرة في شكل خوف وغضب، خوف على "المصلحة" سواء كانت شريك أو عمل أو عائلة .. إلخ. وغضب من المحفز، وهو الفعل الذي قام به الشخص محور اهتمام "الغيور" تجاه من يظنه الغيور منافسًا. 


يعمل المحفز على تذكير الشخص بجرح قديم مثلًا، أو أزمة ثقة بالنفس أو حتى ثقة بالغير. أو ربما يذكر المحفز "الغيور" بالأسباب التي تجعله أقل من منافسه.


وأمام الغضب والخوف يصبح أمام "الغيور" حلًا من اثنين، إما تجاهل العلاقة المُسببة  لتلك المشاعر السلبية، بتجنب المنافسة تمامًا ويخرج من المعركة بأقل الخسائر الممكنة. أو يخوض معركة طويلة من أجل الاحتفاظ بما يظنه مهمًا.


 ومشكلة المعارك الطويلة المبنية على الغضب والخوف أنها تنتهي في العادة بالهزيمة النكراء. الخوف والغضب من أعداء التفكير "الرشيد". تؤدي تكرار التصرفات النابعة من الأفكار غير الرشيدة إلى دفع "الهدف المتصارع عليه" للابتعاد عن الطرف "المختل" الذي يشعر بالتهديد الدائم، ويهدد استقرار العلاقة واستمرارها بنوبات غضبه المتكررة.


تؤدي الغيرة في النهاية، سواء قررت أن تتجاهلها أو أن تواجهها إلى النهاية التي بدأت خوفًا منها سلسلة المشاعر.


خفت من خسارة الشريك وغضبت من تصرفه الذي أدى لتحفيز هذا الخوف، فهربت حفاظًا على ماء وجهك من خسارة أمام منافسك، أو حاربت من أجل الاحتفاظ بهذا الشريك فخسرته مع ماء وجهك في الحرب.


لكن تلك الهزيمة التي تبدو حتمية يمكن تجنبها. كيف تتعامل مع الغيرة في المقال القادم إن شاء الله.