التوقيت الخميس، 28 مارس 2024
التوقيت 08:46 م , بتوقيت القاهرة

بوند الستينات وتوابل الألفية في Kingsman: The Secret Service

- هل تُحب أفلام الجاسوسية؟
- حاليا أصبحتُ أكثر جديةً مما أحب.
- عندما كنت طفلا، كان حُلمي أن أصبح جاسوس جنتلمان. 
- لطالما اعتبرت أفلام بوند القديمة مُسلية مثل أشرارها.


وسط كل الحوارات والإشارات في الفيلم إلى أفلام الجاسوسية القديمة، وبالأخص أفلام جيمس بوند، يظل هذا الحوار، المستخدم في مقدمة أحد الإعلانات، أفضل ما يعبر عن روح فيلم  Kingsman: The Secret Service  أو كينجزمان: الخدمة السرية أحدث وأفضل أعمال المخرج والمنتج البريطاني ماثيو فون.



الملايين استمتعت بالروح الجدية التي انطبعت على أفلام جيمس بوند الحالية، مع النجم دانيال كريج، لكن بكل تأكيد يظل للجانب المرح الفكاهي في الأفلام القديمة لـ شين كونري وروجر مور رونقه الخاص، وهو الرونق الذي يحاول ماثيو فون هنا استعادة مذاقه.


اقرأ أيضا: شون كونري.. النسخة الأصلية من 007


من افتتاحية صاخبة على خلفية موسيقى أغنية، يعرفها الجمهور المصري بفضل استخدامها لبرنامج تليفزيوني شهير، انتهاءً بمشهد مرح يبدأ عرضه بعد ظهور العناوين النهائية - لا تغادر مقعدك سريعا - يحافظ الفيلم على مدار ساعتين على هذا الرونق ويجعل منه عنصر تسلية.


إذا كنت تعرف هذه النوعية من الأفلام، فستعرف الإطار العام للأحداث. منظمة جاسوسية بريطانية ذات طابع أرستقراطي.. متدربون وأعضاء جدد.. عملاء يتصرفون كالنبلاء الإنجليز ويرتدون أفخم الثياب.. خبراء تكنولوجيا.. أسلحة سرية في الأقلام والساعات.. شرير مختل يخطط لمؤامرة ضد العالم.. مقرات سرية تحت الأرض.. الخ.



ماثيو فون ناجح دائما في إضافة توابل مختلفة لنوعيات نعرفها، وهو ما فعله سابقا مع أفلام الكوميكس والسوبر هيرو، عندما قدم فيلمه Kick-Ass  عام 2010 و X-Men: First Class . أجود أفلام السلسلة من وجهة نظري. ويفعله هنا من جديد وبشكل أفضل بخصوص أفلام جيمس بوند القديمة، التي يضيف إليها لمسات من أعمال أخرى مماثلة، أشهرها مسلسلات Get Smart  و The Man from U.N.C.L.E  وغيرها من كلاسيكيات الجاسوسية المرحة.


الكوميكس الأصلي ابتكره صديقه مارك ميللر بفضل نقاش دار بينهما عن أفلام جيمس بوند القديمة، أثناء تنفيذ فيلمهما السابق Kick-Ass. ويُمكنك بالتأكيد أن تلمح أثرا ما لجو الكوميكس أيضًا، خصوصًا في مشاهد المعارك، التي يُفضل فيها فون التلاعب بسرعة عرض المشهد، وتحريك الكاميرا بشكل دائري حول محورها، لتعرض بشكل غير متقطع الحركات القتالية، وشظايا المواجهات.


اقرأ أيضا: Fantastic Four - أمجاد الكوميكس وسقطات هوليوود



الأسلوب يعكس تأثرًا واضحًا أيضًا بأعمال المخرج البريطاني جاى ريتشي، التي أنتج بعضها فون في بدايتهما الفنية (Lock, Stock and Two Smoking Barrels - Snatch). وفي الفيلم مشاهد أكشن وإثارة قمة في الإتقان. بعضها داخل بارات.. بعضها تحت الماء.. بعضها فوق السحاب.. بعضها داخل كنيسة. أيًا كان المكان، ستجد دائمًا مشهد أكشن مثير، ومؤثرات صوتية متقنة، تستحق وقتك وتذكرتك.


اقرأ أيضا: هزة ثقيلة الوزن في ميدان الجاسوسية مع Spy


لكن الفضل الأكبر في جو التسلية العام للفيلم يعود للأبطال. كولين فيرث الذي يفاجئنا بعد الخمسين، أنه قادر على تقديم فيلم أكشن، إذا توفر الإطار الأرستقراطي الذي يليق بمظهره. والنجم الشاب تارون إيجرتون يثبت جدارته مع نهاية الفيلم. ومارك سترونج يقدم البديل لشخصية Q الشهيرة في جيمس بوند بحضوره المميز، بينما يعود القدير مايكل كين ليثبت من جديد، أنه التعريف السينمائي المضمون للأرستقراطية البريطانية. الأهم من كل ما سبق الأشرار، لأنهم كما ذكر فون في الحوار الذي بدأنا به المقال، عنصر تميز أفلام بوند الكلاسيكية.



صامويل ل جاكسون ممثل تم استنزافه في عشرات الأدوار، لكنه ينجح هنا في استعادة مجده بدور شرير خفيف الظل، يضيف إلية لدغة في النطق. وتنافسه في الحضور صوفيا بوتيلا الجزائرية الأصل، التي تلعب دور Gazelle. الشريرة صاحبة السيقان الصناعية القتالية الأشبة بنصلى سيف. لاحظ هنا أن ترجمة الاسم (غزال) كدلالة على السرعة، كعادة أسماء أشرار بوند المباشرة، وأسماء شخصيات الفيلم ككل.


اقرأ أيضا: بوند لا ينجو في Survivor


الشخصية شكلا ومضمونا، رسالة حب وتقدير إلى مدرسة أشرار بوند في السلاسل القديمة. الأشرار المميزون بقدرات بدنية غريبة، مثل  Oddjob - Jaws  وغيرهم. صوفيا تخطف الأضواء في كل مشهد، سواء في المشاهد القتالية أو العادية.



في هوليوود التي يهرب أغلبها حاليا من مشاهد الدم، لضمان الحصول على تصنيف رقابي يليق بالمراهقين، يغامر فون هنا بصناعة فيلمه بتصنيف  R  والطريقة التي يوظف بها العنف والدم، ليست فقط طريقة ممتعة، لكنها أيضًا مرحة وخفيفة الظل. حتى عندما يقرر أن يمد الخط لآخره ويفجر الرؤوس بالسرعة البطيئة، يفعل ذلك بشكل فني مرح حالم يثير الضحك بدلا من الاشمئزاز في القاعات!


اقرأ أيضا: أقوى 12 مشهد تفجير في تاريخ هوليوود


وما دمنا نتحدث عن روح سلسلة بوند، فمن الجدير بالذكر أن الموسيقى التصويرية التي ألفها هنري جيكمان وماثيو مارجيسون، تقتبس بذكاء بعض التيمات الأصلية التي وضعها جون باري لـ جيمس بوند. فريق تصميم الإنتاج والأزياء والديكورات، يمنح الفيلم أيضا الروح الإنجليزية العتيقة الأرستقراطية المطلوبة.



فيلم Kingsman رسالة تحية إلى أفلام أحببناها وافتقدناها مؤخرًا وسط سيطرة شخصيات الكوميكس، من مخرج لم يعشقها فقط، لكن يهضمها أيضًا ويفهم أسرار تميزها. نجاح الفيلم التجاري الذي فاق التوقعات، فتح الباب أمام أجزاء أخرى كما تم الإعلان مؤخرًا، وسيفتحه أيضًا لبعض المغامرات الإنتاجية.


اقرأ أيضا: كينجزمان وترمينتور وأعاجيب شباك التذاكر الآسيوي


بعد  100  عام من عمر السينما، من الصعب أن تبتكر جديد من الألف للياء، لكن بكل تأكيد يُمكنك دائمًا إضافة توابل معاصرة تجعل مذاقا ما نعرفه، لا يخلو من طزاجة وتجديد. ماثيو فون يفعل ذلك ببراعة طوال تاريخه، ويمنحنا هنا أول فيلم مسلي ممتاز في 2015.



المخرج جاي ريتشي صاحب أفلام شرلوك هولمز الأخيرة مع روبرت داوني جونيور، سيقدم في أغسطس هذا العام معالجة سينمائية للسلسلة التليفزيونية الكلاسيكية The Man from U.N.C.L.E،  ومن المُثير أن نرى تنافسا بينه وبين صديقه ماثيو فون في نوعية متقاربة خلال مدة قصيرة. سيسرني بكل تأكيد أن يقدم فيلم أفضل، لكن المهمة لم تعد سهلة نهائيًا.


اقرأ أيضا: أهم 10 أفلام هوليوودية في صيف 2015


بقي أن أذكر أن الحملة التسويقية الممتازة للفيلم، اقتبست أيضًا ببراعة الكثير والكثير من سلسلة بوند. أكتفي هنا بإضافة بوستر فيلم بوند For Your Eyes Only  بجوار أحد بوسترات الفيلم للدلالة. وتمامًا مثلما بدأ المشروع بحديث عابر بين صديقين عن بوند، انتهى به حتى في تفاصيل الحملة التسويقية.



باختصار:
ماثيو فون يعود بنا ببراعة إلى نكهة بوند الستينات والسبعينات، ويضيف إليها توابل هوليوود المعاصرة، ومشاهد أكشن وعنف ممتازة، وشخصيات وحوارت كوميدية متواصلة على مدار ساعتين، في فيلم أنصح عشاق التسلية (والأكشن بالأخص) باللحاق به على الشاشة الكبيرة في أقرب فرصة.

لمتابعة الكاتب