التوقيت الأربعاء، 24 أبريل 2024
التوقيت 05:14 ص , بتوقيت القاهرة

الشريعة الإسلامية: نقاب على وجه اقتصادي "مزدوج"

هناك دول قامت على شعارات عمالية لكنها لم تمنح العاملين يوما حق الإضراب، فالسلطة فيها مركزية، وهي - باسم الشعب - مالكة وسائل الإنتاج. وهذه هي الدول الاشتراكية (دول الكتلة الشرقية).

وأخرى قامت على حق التملك، لكنها - في تطور الحقوق المدنية - التزمت للعاملين بهذا الحق. وهذه هي دول أوروبا الغربية، القائمة اقتصاديا على النظام الرأسمالي، نظام السوق الحر.

لكن هذه الدول وضعت شروطا تجعل الإضراب حقا، بحقه. بأي معنى؟ بمعنى إحداث التوازن بين حق العاملين في حجب عملهم، وبين حق أصحاب المال في الحفاظ على أموالهم. أبرز تلك الشروط التالي:

1. التزام العاملين بمدة إخطار قانونية، يعلمون فيها أصحاب العمل بعزمهم تنظيم إضراب عن العمل. في بريطانيا مثلا مدة الإخطار 15 يوما.

2. يلتزم العاملون بتحديد المدة التي يضربون فيها عن العمل.

3. تخصم أجور العاملين عن تلك الأيام التي يضربون فيها عن العمل.

4. من حق العاملين المضربين دعوة زملائهم إلى مشاركتهم في الإضراب. لكن ليس من حقهم منع زملائهم عن العمل، ولا التعرض لهم بالأذى.

كل المقدمة السابقة ليس غرضها المفاضلة بين هذه الدول وتلك، فرأيي سبق وعرضته في أكثر من مناسبة. إنما غرضها بيان اتجاهات هوية الدولة. وبالتالي الوصول إلى تشخيص مَرَض الدولة المصرية الذي أعياها وأعيانا.

مشكلة الدولة المصرية الكارثية أنها غير متسقة مع نفسها. أعلنت منذ أربعين عاما تبنيها سياسة انفتاح اقتصادي، لكنها فشلت في تعديل قوانينها الاشتراكية. فصارت كرجل في جلد امرأة، أو امرأة في جلد رجل. لا هي قادرة على التلقيح والتخصيب، ولا هي مستعدة للحمل والولادة.

والنتيجة ما نراه. حكومات متعاقبة عقيدتها الوحيدة الاحتكار الاقتصادي والسياسي. تريد أن تركز وسائل الإنتاج في يدها كالاشتراكيين، لكنها تريد من القطاع الخاص أن يأتي ويستثمر كالرأسماليين. تريد احتكار السلطة كالاشتراكيين، لكنها توقع على مواثيق الحقوق المدنية كالديمقراطيين. تحجب المعلومات كالاشتراكيين، لكنها تتحدث عن حرية السوق كالرأسماليين.

وطبعا هذا لا ينفع. غير متسق مع ذاته. لا يرضي الاشتراكيين ولا يرضي الرأسماليين. لا ينفع العاملين ولا ينفع أصحاب العمل. مفصل فقط على مقاس الحكومة المركزية الاحتكارية الضيق، الضيق جدا، بضيق الفرص التي يستطيع نظام اقتصادي كهذا أن ينتجها، وبضيق مساحة رؤوس الأموال التي يستطيع نظام اقتصادي وسياسي كهذا أن يجذبها، ويرضيها، ويضمنها.

هذه نفس مشكلة أن تلعبي كرة قدم بقوانين كرة اليد، وأن تكوني منافسة وقاضية في نفس ذات الوقت عينه. تركلين الكرة بقدمك إن أحببت، لأن اسمها كرة قدم. وبيدك إن شئت، لأن القوانين تتيح لك ذلك. وأنت الخصمُ والحكمُ. بنفس المنطق تدينين الفريق الآخر إن ركل الكرة بقدمه، لأن هذا ممنوع في قوانين كرة اليد، وتدينينه إن أمسكها بيده، لأن هذا ممنوع في قوانين كرة القدم. 

لا يوجد قواعد تنافسية واضحة نستطيع أن نحتكم إليها. ولا بد من اختلاق "مرجعية". بشرط أن تكون المرجعية:

أولا: "غير مطروحة للنقاش" وطبعا غير مطروحة للاعتراض.

ثانيا: تحظى - لاحظي - بمباركة من تستخدم ضدهم.

ثالثا: عُلوية. تجبّ الاشتراكي والرأسمالي. تجبّ كرة القدم وكرة اليد. تجب حقوق العاملين وحقوق أصحاب العمل.

تعلو ولا يُعلى عليها. كمرجعية صوت المعركة في أزمان سابقة، بل وأعلى.

حزري فزري تبقى إيه؟

تعبير مطاط تضعه الدولة المصرية في أي وثيقة دولية - حقوقية - توقع عليها "بما لا يخالف الشريعة الإسلامية".

حكم القضاء الإداري، الذي استند إلى هذه العبارة، في شأن يخص قانون العمل، حكم ينبغي أن نتوقف عنده كثيرا. لأنه كاشف لهذه العبارة السحرية المطاطة التي يصفق لها من قد ترتد عليهم.