ويأتي احتفال الجزائريين، هذا العام، في سياق استكمال بناء دولتهم الجديدة بعد انتهاء الانتخابات التشريعية وقبل أيام من انطلاق الانتخابات المحلية في الـ27 من نوفمبر الجاري، والسير على خطى الأجداد في إعادة تأسيس وبناء الدولة الحديثة.

ودفعت الجزائر ثمنا باهظا من أجل نيل الاستقلال، يتمثل في مليون ونصف المليون شهيد سقطوا في ظرف 7 أعوام، فضلا عن ما يزيد على 3 ملايين آخرين على مدى 132 عاما قضاها الاحتلال الفرنسي على أرض الجزائر، وهو ما أكده الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي قال إن تعداد شهداء الجزائر الذين سقطوا خلال فترة الاستعمار الفرنسي يبدأ من أول ضربة مدفع في عام 1830م.

ومنذ عام 1830، خاض الجزائريون مقاومات شعبية مسلحة متفرقة ومنعزلة ضد المستعمر الفرنسي، بدأت مع الأمير عبد القادر إلى المقراني والحداد ولالا، وفاطمة نسومر، ورغم شراستها إلا أن الاستعمار الفرنسي تمكن من وأدها.

غير أنها مكنت من خلق البوادر الأولى للنضال السياسي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وتشكلت معها الحركة الوطنية من أحزاب سياسية باتجاهات مختلفة، كان مصالي الحاج أبرز قادتها، وتبنى الطرح المنادي بضرورة استقلال الجزائر عن فرنسا من 1927 إلى 1953.

استمر المستعمر الفرنسي في رفض الحوار من أجل الاستقلال، ورد بأساليب شتى من القمع والقتل والسجن والنفي والتضييق على الحريات، وتزوير الانتخابات، وأمام هذا الواقع وجدت الحركة الوطنية الجزائرية نفسها أمام خيار واحد لاسترجاع الحرية والاستقلال، وهو الكفاح المسلح.

وحددت الأحزاب والحركات الجزائرية تاريخ الأول من نوفمبر 1954 لانطلاق الكفاح المسلح تحت لواء جبهة التحرير الوطني، الذي تأسس في ذات التاريخ، وبدأ هذا الكفاح المسلح بقيام مجموعات صغيرة من الثوار المزودين بأسلحة قديمة وبنادق صيد وبعض الألغام بعمليات عسكرية استهدفت مراكز الجيش الفرنسي ومواقعه في أنحاء مختلفة من البلاد وفي وقت واحد.

ومع انطلاق الرصاصة الأولى للثورة في الأول من نوفمبر، تمّ توزيع بيان على الشعب الجزائري يحمل توقيع الأمانة الوطنية لجبهة التحرير الوطني ودعا البيان جميع المواطنين الجزائريين من جميع الطبقات الاجتماعية وجميع الأحزاب والحركات الجزائرية إلى الانضمام إلى الكفاح التحريري.

واعتمد هذا الكفاح على 3 أضلاع؛ الكفاح الشعبي والعسكري والدبلوماسي، إذ بات هذا الكفاح حرباً تحريرية حقيقية تبنتها كافة أطياف الشعب على المستوى الريفي أو الحضري... وبجانب المقاتلين، شاركت النساء أيضا في هذا الكفاح إلى جانب الأطفال الذين كانوا يلهون باستخدام الألعاب النارية لصرف نظر قوات الاستعمار عن أصوات بنادق المجاهدين الجزائريين، فيما تواصلت العمليات العسكرية بقيادة جيش التحرير انطلاقاً من الحدود المغربية والتونسية، بالإضافة إلى تدويل القضية الجزائرية عبر النشاط الدبلوماسي المكثف، وإدراج القضية ضمن جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

دارت الحرب بين الجيش الفرنسي، الذي يمتلك أحدث المعدات العسكرية آنذاك، وبين الثوار الجزائريين، الذين لم يملكوا سوى إيمانهم بضرورة التخلص من الاستعمار والحفاظ على هويتهم واعتمدوا على أسلوب حرب العصابات بصفتها الوسيلة الأكثر ملاءمة أمام هذه القوة العسكرية المجهزة بالعتاد والسلاح.


كان الجيش الفرنسي يتكون من القوات البحرية والمظلات، والمرتزقة متعددة الجنسيات، وقوات حفظ الأمن، وقوات الاحتياط، والقوات الإضافية من السكان الأصليين أو من أطلق عليهم اسم "الحركيين"، أما قوات جيش التحرير الوطني التابعة للفرع العسكري من جبهة التحرير الوطني حظت على تأييد الشعب الجزائري الكامل، بل والجالية الجزائرية في المهجر، وخاصة في فرنسا.

وانتهت الحرب بإعلان استقلال الجزائر في 5 يوليو 1962، وهو نفس التاريخ الذي أعلن فيه احتلال الجزائر في سنة 1830. 


وقد تلا إعلان الاستقلال الجنرال الفرنسي شارل ديجول عبر التلفزيون، مخاطباً الشعب الفرنسي.

وجاءَ الاستقلال نتيجة استفتاء تقرير المصير في الأول من يوليو، المنصوص عليه في اتفاقيات إيفيان في 18 مارس 1962، وأعلن على إثره ميلاد الجمهورية الجزائرية في 25 سبتمبر ومغادرة مليون من الفرنسيين القابعين في الجزائر منذ عام 1830م.