التوقيت الأربعاء، 24 أبريل 2024
التوقيت 03:27 م , بتوقيت القاهرة

فيديو.. يوميات مصرى فى مونديال روسيا

الجو باردٌ حقاً، كان من الجيد أن أستمعَ إلى نصيحة الأصدقاء المصريين-الروس، بأخذ ملابس حرارية دافئة، رغم لامنطقية هذا الخيار في منتصف شهر يونيو.

بمجرد خروجي من مطار إيكاترينبرج، في العاشرة صباحاً، ضربتْ وجهي موجةُ هواءٍ باردة، فتيقنتُ أنني في .... روسيا.

استعنتُ بشاب روسي، ليتحدثَ إلى التاكسي، الذي طلبته عبر تطبيق محلي في الهاتف الذكي، ليصفَ للسائق مكان وقوفي في انتظاره، وكان سعيداً بمساعدتي.

 

 

 

 

الوصول للفندق، نظيف، لكنني حملتُ حقائبي بنفسي للطابق الثاني، الغرفة دافئة، متعة خلع الحذاء بعد حوالي 12 ساعة سفر وترانزيت، المفارش البيضاء والوسادة المنتفخة ينادونني، وكيف أمتنع.

استيقظتُ قرابة الثالثة عصراً، التدفئة في الغرفة أصابتني بجفاف شديد في الحلق، وجدتُ زجاجة مياه معدنية صغيرة، شربتها بجرعة واحدة، وغسلتُ وجهي وأسناني، وحان وقت التجول في روسيا.

سيارة أجرة عبر التطبيق المحلي، تحديد وجهة الوصول لمنطقة المشجعين Fan Zone التي أعدتها الفيفا، تذكرت تحذيرات الأصدقاء من النشالين، فصعدتُ ركضاً للغرفة، وأخليتُ جيوبي من كل ما هو غير ضروري، وارتديتُ الحافظة الخاصة التي اشتريتها من السوق الحرة، وتتموضع تحت الإبط بـحزام، ووضعتُ فيها كارت ائتمان واحد، ومائة دولار، وفي جيبي ما يوازي 50 دولاراً بالعملة المحلية الروبل، لن أكون المصري الذي تعرَّض لعملية نشل في روسيا، فهذا سيجعل قصتي الأكثر مشاركةً على صفحات التواصل الاجتماعي.

أنظرُ عبر زجاج سيارة الأجرة، أحاولُ تبـيُّــنَ أي علامةٍ على الحِقبة السوفيتية، الحركة الشيوعية العالمية، حقوق العمال، الحرب الباردة، لكن كل ما رأيته كان محلات برجر كينج وماكدونالدز، وأفرع سيتي بنك، اللعنة على العولمة، تكرار تلك العلامات التجارية أينما وليتَ وجهكَ أصبح مثيراً للأعصاب!

شباب بملابس المنتخب المصري على جانبي الطريق، أعلام، أداة التعذيب السمعي والعصبي المسماة فوفزيلا، وشباب ينفخون فيها بكل حماسة، محاولين قَطْعَ أحبالهم الصوتية، أو تمزيقَ طبلة أذني، أيهما أقرب.

شباب مصريون يعتلون نُصُباً ما ويهتفون مااااصر مااااصر مااااصر، ويلوحون بالأعلام، ويغازلون كل ظل أنثى روسية تمر في مجال إبصارهم، تفاعل جميل وترحيب من الروس عبر تنظيم احتفاليات فولكلورية صغيرة جذبت الجمهور، الذي توقفوا ليوثقوا هذا الكرنفال بكاميرات الهواتف الذكية، بعض شبابنا شرعوا في التواصل مع الجمهور الروسي، أشاهدُ أحدهم يتحدث إلى الهاتف، وينتظر ثانيتين، ثم يدير شاشة الهاتف لمحدثه الروسي، تقنية جوجل للترجمة تزدهر هنا

دخلتُ مركز التسوق، لأستخرجَ هوية التشجيع “Fan ID” كي أتمكنَ من دخول الملعب في اليوم التالي، هل رأيتم مركز جراج البستان ليلة أول أيام عيد الفطر أواخر التسعينيات؟!

ببساطة يبدو أن أحدهم وجد طريقة لنقل مركز باساتش التجاري، من شمالي شرق روسيا إلى وسط القاهرة في يوم مزدحم.

بعد نصف ساعة من الوقوف في الطابور، خلعتُ الجاكت، وفي نصف الساعة التالية تعرفتُ إلى عشرة أشخاص يتقدمونني في الطابور، ومثلهم يلونني، طبعاً كلنا من مصر وإن أتينا من وجهات مختلفة، البعض قدم من أمريكا، والبعض من أوروبا، والبعض من مدن روسية بعيدة.

بعد ساعة ونصف الساعة، من وصولي للطابور، بدأنا نتحدث عن أهلية روسيا لتنظيم كأس العالم.

بعد ساعتين في الطابور، كنا على أبواب دخول الجنة.

نصف ساعة أخرى داخل المركز، لاستخراج هوية المشجع، وسمعتُ إحداهن تحاول القول بإنجليزية كسيحة، ما معناه أنت لا تعرف لمن تتحدث، إن خالي هو مدير أمن جهة ما.

يقفز أمامي شاب أضخم مني، ويبتسم بعرض وجهه، ويصرخ باسمي، أعرفُ هذا الوجه، لا أعرفه تحديداً، لكنه يبدو مألوفاً جداً، إنه يناديني باسمي، هو يعرفني، لكنني لا أجدُ اسماً في ذاكرتي القريبة مرتبطاً بهذا الوجه، ينقذني الشاب الضخم، أنا فلان أخو صديقك الفلاني.

ألهذه الدرجة مرت السنون؟! عرفتُ هذا الشاب عندما كان طفلاً يلهو بألعابه في باحة منزلهم، عند زيارتي لأخيه الكبير زميلي في الثانوية وصديقي في الجامعة، ذلك الطفل الذي هاجر من مصر منذ ... أفعلاً مر 16 عاماً على آخر مرة رأيتُ فيها ذلك الطفل، وعلى بداية الاغتراب؟!

تحدثنا عن أخيه الذي هاجر إلى نيوزيلندا منذ أشهر عدة، وعن المعادي، ذلك الحي الذي نشأنا فيه، وأخيه الأوسط الذي كان لاعباً جيداً لكرة القدم، وثقنا اللحظة بالتقاط صورة "سيلفي" كما جرت العادة هذه الأيام، واتفقنا على أن نلتقي من دون أن نتبادل أرقام الهواتف.

 

خَرجَت ... ليس روحي، فقد صعدت إلى بارئها واكتشفت أنه ليس يومها فعادت لتقف في الطابور، بل خَرجَت هويتي من ماكينة التغليف أخيراً... 3 ساعات كاملة ضاعت مني في أول يوم في بلد القياصرة.

الجوع يحرك أصابعي، لتنقر على محرك بحث جوجل، للبحث عن مطعم جيد بتقييمات جيدة، يقدم أكلاً معروفاً، فلا أريدُ تجربةَ المطبخ الروسي اليوم، فالإصابة بالإسهال لن تكون لطيفة صباح الغد خلال المباراة، هذه أول مرة في حياتي أدخل فيها استاد كرة قدم، ولا أود أن تضيع فرصة المشاهدة وأنا ضائع في أروقة بناء بتلك الضخامة، أبحثُ عن حمام الرجال، كما أن الموقف سيكون معقداً من دون "شطاف" الحمام.

هذا هو، مطعم ستيك، تناول شريحة لحم بقري مشوي، مع بعض الخضار المشوي، والبطاطس المهروسة يبدو خياراً مريحاً لمعدتي، وآمناً لتجربة نظيفة غداً في الاستاد.

المطعم حاصل على تقييم أربع نجمات ونصف النجمة من قبل الزوار، وصوره على تطبيق جوجل للخرائط تبدو جيدة، نسخ العنوان، لصقه كوجهة ذهاب في تطبيق التاكسي المحلي.

للمرة الثالثة اليوم، ألاحظ أن سائق التاكسي يحاولُ إرجاع بقية المبلغ، رغم أن المتبقي لا يتعدى جنيهات مصرية معدودة، طلبتُ من السائق الاحتفاظ بهذه العملات الفضية القليلة، على سبيل البقشيش، فقال لي سباسيبا، فأرد سباسيبا، فلم أتعلم بعد غير كلمة شكراً باللغة الروسية.

في المطعم أتت لي النادلة بقائمة طعام باللغة الإنجليزية، تصفحتها وطلبتُ قبل الطعام زجاجةَ مياه كبيرة، فمازلتُ أشعرُ بذلك الجفاف في الحلق، منذ استيقظتُ في غرفة الفندق، ثم طلبتُ ما أتيتُ لتناوله.

المطعم يبدو أمريكياً جداً، موسيقى البوب في الأجواء، تصميم أمريكي يسيطر عليه الخشب بلونه الطبيعي، لوحات من أفلام هوليوود القديمة عن الغرب الأمريكي، مدير صارم يقف ليراقبَ كل حركة، ويوجِّهَ الموظفين بالإشارة.

شابان روسيان وفتاة يجلسون على الطاولة بجانبي، يتحدثون ويبتسمون، رددت الابتسامة من جانب اللياقة، فإذا بأحدهم يقف بجانبي يسألني إن كنتُ أتحدث الإنجليزية، فأجبت بطلاقة: نعم أتحدثها، فأشار إلى الفتاة التي قالت إنه لا يتحدثُ الإنجليزية وهي تتحدثها بمستوى متوسط، لكنهم يودون التعرف إليّ.

 

دقائق مرت ونحن نتحدث باستخدام تطبيق جوجل للترجمة، فحتى الفتاة كانت إنجليزيتها ضعيفة، هي خطيبة أحدهما، ويعملون سوياً في شركة توزيع مشروبات للمطاعم، وأبدوا سعادتهم بوجودي في بلدهم، وانصرفوا بمجرد أن وصل طعامي، جيد فلم أكن على استعداد لأن يشاركني أحدهم هذه الوجبة، ولم أكن من الوقاحة بألا أدعوهم لمشاركتي ولو كـ "عزومة مراكبية" لكنني أشك في أنهم يعرفون بوجوب رفض "عزومة المراكبية"، ولو أخذ أحدهم دعوتي على محمل الجد، وقبل بمشاركتي الطعام لانصرفتُ جائعاً ولغضبتْ معدتي من ممارسة العادات المصرية في بلد القياصرة...!

 

طلبتُ الحساب، فحاولت النادلة أن تشرح لي ولم أفهم، فأعرتها هاتفي لتنطق كلمات باللغة الروسية فيترجمها جوجل "الأصدقاء دفعوا فاتورتك ويقولون: مرحبا بك في إيكاترينبرج".

شعرتُ الخجل، ولم أعرف ماذا أفعل، فطلبتْ كوباً أخيراً من الماء، شربته في منطقة التدخين خارج المطعم وأنا أطلب سيارة الأجرة لتعودَ بي إلى الفندق، لينتهيَ أولُّ أيامي في روسيا.