التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 12:00 ص , بتوقيت القاهرة

في ذكرى ميلاده.. كيف أنصف الفن لوحات "فان جوخ" بعد أن كسرته الحياة؟

فان كوخ
فان كوخ
لم يحالفه الحظ إلا بعد موته كحال معظم المبدعين في العالم، عاش حياة باردة مملة خالية من العاطفة والتقدير الأدبي، فعوض هذا الحرمان في حياته اتجاه لوحاته الفنية، وهو يظل يرسم وجهه عليها بإجمالة 35 لوحة 
القراءة الأولى لتلك اللوحات تتهمه بالنرجسية وحب الذات، لكن من يتطفل على حياته الشخصية يجدها محاولات مستميتة للخروج من الألم لمنح الذات بعض من الحظ الغائب، ولكن بعد وفاته قدره العالم وبيعت لوحة واحدة فقط في أقل من 3 دقائق بمبلغ 82 مليون دولار، ليتصدر أعلى سعر عرفته البشرية في شراء اللوحات الفنية.
عانى "فان جوخ" من الألم الوجودي العظيم، ما جعله يبحث عن صورة الله، وهو يردد مقولة فيكتورهوجو:" أن الأديان تموت، ولكن تبقى صورة الله هي الباقية"
 مشوار حياة فان جوخ مع الإله للبحث عن قوة متجاوزة تعوضه، بدأت مع صدمته العاطفية في أول قصة حب شقت قلبه نصفين من الوجع، وهو صغير، بعد أن أحب ابنة صاحبة المنزل الذي كان يقيم فيه، إلا أنها رفضته لأنها كانت مخطوبة سرًا لشخص آخر تحبه، جعل "فان جوخ" يصبح أكثر انعزالًا وتدينًا، حتى أعلن لعائلته، عام 1876، تركه لمجال تجارة الأعمال الفنية لرغبته أن يصبح قسًا مثل والده.
لوحة آكلوا البطاطا
لوحة آكلوا البطاطا
رؤيه "جوخ" للعدالة التي هي صورة من وجه الله، انعكست فى عددا كبير من المواقف الذي خاضها "فينسست" بعد أن حاول أن يلتحق بإحدى المدارس التبشيرية البروستانتية لمدة 3 أشهر، بعدها ذهب إلى إحدى مناجم الفحم في بلجيكا، وهناك افزعه حالة العمال التى عانت من الجوع والمرض والفقر، فقرر أن يترك مكان إقامته لأحد الفقراء المشردين، وأقام في كوخ صغير، وتبرع بكل ما يملك للعمال حتى ملابسه، وهو ما آثارغضب الكنيسة، ورددت حينها أن فان كوخ  يقلل من "كرامة الكهنوت" بتلك التصرفات.
لم يدخل "فان جوخ" في صراع، فرؤيته الشفافية النقية جعلته يردد جملة واحدة: "كنت أتمنى أن يقبلوني كما أنا"، فاتجه الى الرسم الذي وجده مخرجا للوصول إلى الله والتعبير عن رؤيته بريشته حول العالم والموت والحياة، وبعد عودته من المناجم قرر شقيقه أن يصبح رسامًا محترفًا بعد أن رأى رسوماته للعمال في بلجيكا".
وعبر لوحاته الفنية العميقة مزج "جوخ" الرسم بالدين. يلخص رؤيته إلى أخيه فى إحدى الرسائل: "حاول أن تفهم القيمة الحقيقية لما يقوله لنا الرسامون العظام من خلال أعمالهم وستجد الإله هناك، فشخص ما أخبرنا به أو كتبه في كتابٍ وآخر رسمه في لوحة". 
DYlAjvsW0AAeRJG
لوحة لفان كوخ 
صدمة عاطفية ثانية يواجهها" فان جوخ" بعد أن رفضته ابنه خالته التي تكبره بـ 7 سنوات، لأنه لم يكن قادرا على أن يعيل نفسه، فقد على اثرها إيمانه بالدين الكنسي، وحرضته أن يدخل فى نقاشات حادة مع والده القس لرفضه الذهاب إلى الكنيسة، لكنه في تمرده لم يفقد فكرة الإله، بل إعتنق عقيدة الرسم محل الدين تمامًا، فيقول: "سآخذ قلمي الذي فقدته في خيبة أملي، وسأستمر في الرسم، ومن تلك اللحظة تغير كل شيء بالنسبة لي".
DYkXK6YVAAMkS3E
فان كوخ 
تستمر رحلة "فان جوخ" الموجعة مع الحياة، قبل انتحاره، ليكتب مرثيته العميقة الرائعة التي تعتبر من أجمل الرسائل على الإطلاق كتبها وأرسلها إلى أخيه وجاء فيها: "عزيزي ثيو: إلى أين تمضي الحياة بي؟ ما الذي يصنعه العقل بنا؟ إنه يفقد الأشياء بهجتها ويقودنا نحو الكآبة، إنني أتعفن مللاً لولا ريشتي وألواني هذه، أعيد بها خلق الأشياء من جديد.. كل الأشياء تغدو باردة وباهتة بعدما يطؤها الزمن، ماذا أصنع؟، أريد أن أبتكر خطوطاً وألواناً جديدة، غير تلك التي يتعثر بصرنا بها كل يوم، كل الألوان القديمة لها بريق حزين في قلبي، هل هي كذلك في الطبيعة أم أن عيناي مريضتان؟، ها أنا أعيد رسمها كما أقدح النار الكامنة فيها".
فان كوخ