التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 03:36 م , بتوقيت القاهرة

أسرار تصدر النساء طوابير الانتخابات الرئاسية

أيمن عبدالتواب
أيمن عبدالتواب
ما سر تصدر النساء للمشهد الانتخابي في مصر؟ كيف لنا أن نفسر هذه الظاهرة؟ لماذا نرى السيدات اكثر من الرجال أمام لجان الاقتراع؟ هل يرجع ذلك إلى فراغهن، وعدم وجود شيء يفعلنه، أم أن الأمر يتعلق بأشياء أخرى؟
 
كنت أتعجب من أمي- رحمها الله- كيف كانت تواجه زمهرير برد طوبة، وعواصف أمشير، ولهيب بؤنة، وتخرج- كل يوم- قبيل أذان الفجر، وتعود متى يأذن الله لها العودة؛ لترعي تجارتنا، وتوفر لي وأخوتي كل ما نحتاج إليه؟ كيف كانت تتحامل على نفسها؟ كيف كانت تقتل المرض وتكتم أناتها، ولا تسمح لعينيها بنزول دمعة قد تتسبب في اهتزاز صورة هذا «الجبل» الراسخ السامق؟
 
كنت أتعجب من شقيقاتي اللائي يكبرنني بسنوات، وهن يجمعن بين مساعدة أمي في تجارتها، وفي تربية ست أطفال ذكور، وبين استذكار دروسهن.. ويا ويلهن من امي ولسانها الذي كانت سخريته يلهب ظهورهن إذا ما قصرن في أداء واجباتهن العملية، والمنزلية، والمدرسية.. ما الذي كان يجبرهن على ذلك؟ ومن أين جئن بهذه القدرة على التحمل، وتحمل مسؤولية ينوء بها أعتى الرجال؟
 
الحقيقة أن ما فعلته أمي وشقيقاتي- اللائي أدين لهن بحياتي قبل تربيتي- قد يكون نسيًا منسيًا أمام تضحيات وبطولات لسيدات مصريات بعيدات عن عدسات المصورين.. فمصر مليئة بآلاف نماذج السيدة «هبة السيد رجب» التي- رغم مرضها- تحمل زوجها المريض على ظهرها من المرج الجديدة إلى أحد مراكز غسيل الكلى بحلمية الزيتون، في مشهد يجبرك على أداء التحية العسكرية، كأضعف الإيمان في زمن أصبحنا نرى فيه كيف باتت العلاقة بين معظم الأزواج..!
 
ما سبق لا ينفصل عن الإجابة عن التساؤلات التي تصدرت المقال، ولا مانع من اعتبارها تمهيدًا للإجابة عن السؤال: لماذا تتصدر السيدات المشهد الانتخابي أكثر من الرجال؟
 
يقيني أن المرأة بوجه عام، والمصرية على وجه الخصوص تولد بچينات تجعلها تتحمل المسؤولية أكثر من  الرجال، وربما تكون «عاطفتها»- التي قد لا تعجب البعض- هي التي تمنحها استشعارًا للخطر القادم، أو التهديد المحتمل لأبنائهن أو وطنهن؛ فيبادرن للمواجهة والتصدي لهذا الخطر.
 
كما أن طبيعة السيدات- باعتبارهن سكن الرجال- تميل إلى الاستقرار وتأمين أولادها وزوجها.. والنساء- إلا بعضهن- لديهن قناعة تامة- وخاصة كبار السن- بأن ما يفعلنه أمام صناديق الاقتراع ما هو إلا جزء من تأمين مستقبل ابنائهن، ورغبتهن في حياة أفضل لهن، أو حفاظًا عليهن من مصير مجهول، أو عدم رغبتهن في رؤية أولادهن مشاهد كتلك التي رأينها وقت الحروب التي مرت بها مصر، أو عدم رؤية المشاهد التي تأتينا من ليبيا وسوريا والعراق واليمن!
 
الأنثى تتعامل مع الانتخابات بمنطق «الأم» التي تعشش على أفراخها، وتفعل المستحيل من أجل حمايتهن ولا يتعرضن لأي خطر.. بينما يفضل الذكور- خاصة مَنْ هم في فورة الشباب- التحليق في السماء، مفضلين عدم تحمل المسؤولية، حتى ولو بالكلمة، أو إرهاق أنفسهم بالذهاب إلى صناديق الانتخاب، وممارسة حقهم القانوني والدستوري.
 
المرأة- وهي أمي وأمك، وأختي وأختك، وزوجتي وزوجتك، وابنتي وابنتك- تتعامل مع استحقاقها الدستوري بقلبها وعاطفتها، وتمارس حقها السياسي من منطلق الخوف على البلد وحبها لوطنها دون أي حسابات أخرى.. على عكس دعاة التنظير ومحللي منظمات «ادفع تجد ما يسرك»!
 
ومن المؤسف حقًا، أن الإخوان، والمتثورين اللاإراديين، ونشطاء السبوبة، والمعارضين المكيفين، وكل الذين يعيبون على السيدات ما يفعلنه أمام لجان الانتخابات الرئاسية الآن، هم أنفسهم الذين يتغنون ببطولة هذه السيدة أو تلك حين منحته صوتها، سواء في انتخابات طلابية أو حزبية أو نقابية، أو حتى صمتت على أن يتكلم هو بلسانها دون أن تمنحه توكيلًا بذلك.
 
وإذا كان إخواننا الذين يتخفون خلف «الكيبورد» يسخرون من السيدات وكبار السن المشاركون في الانتخابات، ويتهمون أجيال الأربعينات والخمسينات وما بعدها بأنهم لا يفهمون شيئًا، وأنهم هم الذين يضيعون البلد، فلماذا لم يرونا أنفسهم، على الأرض، ولماذا لم يقودونا هم إلى المستقبل الذي يريدونه، بدلًا من «الولولة» على «الفيس»، أو «الطرطرة» على «تويتر»؟!