التوقيت الأحد، 28 أبريل 2024
التوقيت 01:25 ص , بتوقيت القاهرة

يا فاشل.. يا فاشل

أطل علينا بإطلالة مميزة جدًا للمرة الأولى في برنامج "مذيع العرب" المذيع المصري المتألق خليل جمال، عندما قصّ حكاية حلمه موضحاً أن كان لديه من قال له "يا فاشل"، فحفزّه وزاد من إصراره لمواصلة المشوار 



ولكني لست مثل خليل جمال، لا أتحفز من اتهامي بالفشل، بل أعتبره كلامًا هدّامًا يطيح بمعنوياتي ويهبط بها إلى ما تحت الأرض. 


وللأسف مع مرور الوقت، يزداد عدد الناس من حولك، أولئك الذين يراقبون حياتك أكثر مما يفعلون لحياتهم، الذين هم تتسخر أعمالهم للتقليل من شأن عملك، من شأنك ومن شأن أحلامك. فقد تجد زميلك الذي لا يفقه شيئًا مما تفعله بتاتًا، بينما أنت في قمة نجاحك، ما إن يراك والسعادة تغمرك حتى يتقدم إليك بضحكة صفراء ولسان حاله يقول "آدي دقني لو خليتك تفرح"، ويبدأ بانتقاد كل صغيرة وكبيرة، موضحاً أنه لو كان مكانك لسار الموضوع بطريقة أصح وأفضل، وحذار أن تلقى امتعاضًا أو اعتراضًا، فتصبح ديكتاتور رافضًا للنقد و"عايز مين يطبلك وبس"! 


أدرك تماماً أن هناك اختلافا جمّ بين النقد والانتقاد، من يتكلم لمجرد الكلام، من يحاول أن يحبطك، يقترب ليحيطك بطاقة سلبية لا مفر منها ولا خروج، بين ذلك وبين من يريد لك أو لعملك التقدم والتطور.. بين من يتقبل نجاحك ولا أريد أن أبالغ بقول إن "يفرح" لنجاحك، وبين من يحاول أن يثبت أنه ليس بنجاح أصلاً، كموقف شهدته عينيّ منذ أيام على "فيس بوك"، عندما نعت كاتبٌ شاب أحلام مستغانمي بأنها كاتبة فاشلة! 


بالله عليك يا رجل كاتبة فتحت الباب لمئات الكاتبات، وساهمت بدور كبير جداً في ثورة القراءة والكتابة على حد سواء و التي نشهدها الآن، صفحتها على فيس بوك حازت على إعجاب أكثر من سبعة ملايين معجب، لتأتي أنت وتنعتها بالفاشلة! إذن ما هو النجاح برأيك؟ 


لا يوجد فكرة ولا موضوع ولا إنسان أو غيره متفق عليه، وكون الإنسان ناجح شيء وإن ينجح في إثارة إعجابك هو شيء آخر تمامًا، فللنجاح مقاييس كثيرة جدًا بعضها قد لا يكون بفائدة للمجتمع، ولكنّه نجاح لمجرد أن تم تحقيق غاية صاحبه وأن تنكره فتلك نظرة محدودة وأفق ضيق، وللأسف غالباً ما يعتقد هؤلاء بأنهم الأذكى والأكثر فطنة ودهاء.


لطالما ترددت على مسامعي جملة "أكثر الناس ادعاء للمعرفة هم أكثر الناس غباء"، ولم أقتنع بها إلا عندما رأيتها بالفعل بشكل مأساوي في بعض الأشخاص الذين يؤمنون بفقاعة أفكار يتقوقعون بداخلها ويهيئ لهم أنهم يحلقون فوق باقي البشر، فينعتوك بالغبي، الفاشل، الجاهل.. في الوقت الذي لا يسمح لك بالرد أو التوضيح أو حتى النقاش؛ لأنك ببساطة لو اقتربت من فقاعاتهم لاختفت ليسقطوا بعدها إلى حيث لا يتمنون ولا يتمنى أحد. 


و لا أدري حقاً هل هي ثقافة عدم تقبّل الآخر، أم هي " نفسية " عدم تقبّل نجاح الآخر، و لكن أدري تماماً أن من يريد النجاح عليه أن يعمل بجد واجتهاد وإخلاص، وأعرف جيّداً أن هذا هو بالتحديد الذي سينهض بنا كمجتمع عالم ثالث وصلنا إليه لأننا ما إن نرى نجاحاً أو طريق نجاح حتى نترجّل أمامه كقاطعي طريق، نسلبه كل معنوياته وحماسه ونفرغه من أمله ثم نتركه شامتين لنرى ما هو بفاعل، نعم وللأسف، لقد وصلنا إلى هذه المرحلة، فنحن نبذل جهداً لمراقبة الآخرين يعادل أضعاف ما نبذله لنضع خطة لنا، لمستقبلنا وأحلامنا وأهدافنا، في الوقت الذي إن قلبنا كفة الميزان لحصلنا على نتائج مذهلة حقاً لنا وللآخرين وللمجتمع بأكمله. 


وإن حاولت الآن تذكر الأشخاص ذوي الأساطير الناجحة، ستدرك سريعاً وبالتأكيد أنهم أقل الناس إصغاء لمن حولهم.