التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 09:57 ص , بتوقيت القاهرة

الشيخ إمام.. صوت الثورة الذي لا يموت

"كفيف"، ولكن ألحانه لسان حال الشعب المصري والطبقة الكادحة والفقيرة، كما أنها وقودا لا ينضب للثورات. ارتبط اسمه بالشاعر أحمد فؤاد نجم، ليكونا ثنائيا لم نشهده من قبل.

العمى

في قرية أبو النمرس، محافظة الجيزة، ولد إمام محمد أحمد عيسى، الذي عرف بـ"الشيخ إمام"، في 2 يوليو، عام 1918، فهو ابن لعائلة فقيرة، أصيب "إمام" في عامه الأول بالرمد، ونتيجة للجهل والإهمال فقده بصره.

قضى طفولته في حفظ القرآن الكريم، على يد الشيخ عبدالقادر ندا، رئيس الجمعية الشرعية بأبو النمرس، وكان والده يريد أن يصبح ابنه شيخا كبيرا. وفي المواسم والأفراح كان يندس "إمام" في جلسات والدته مع نساء العائلة، ويستمع إلى غنائهن، فأحب الموسيقى وأصبحت لديه أذن موسيقية.

الإذاعة "بدعة"

كان "إمام" عاشقا لصوت الشيخ محمد رفعت، وتسبب هذا الحب في فصله من الجمعية الشريعة السنية في الأزهر، لأن الاستماع للإذاعة في ذلك الوقت كان بدعة، رغم كونه يستمع إلى القرآن.

وكان قد أمضى فيها نحو 5 سنوات بعد أن اصطحبه والده عام 1929، إلى القاهرة لتعلم القرآن والترتيل، وبالفعل استطاع "إمام" حفظ القرآن هو في الثانية عشر من عمره.

وعندما علم والده بفصله من الجمعية الشريعة السنية، طرده ومنعه من العودة إلى قريته طول حياته، فبحث "إمام" عن مكان آخر ليسكن فيه، فقضى نهاره في الحسين، وليله في الأزهر.

وبينما هو في القاهرة توفيت "والدته"، التي كانت مصدر الحنان له في مقابل والده الذي كان دائما ما يقسو عليه، ولكن لم يتمكن "إمام" من تشييعها إلى مثواها الأخير بسبب والداه، ولم يرجع إلى قريته إلا بعد وفاة والده.

حفظ ألحان "كوكب الشرق"

كان لقاء "إمام" بالشيخ درويش الحريري، أحد كبار علماء الموسيقى، في منتصف الثلاثينيات مرحلة فارقة في حياته، حيث تعلم الموسيقى على يد "الحريري"، وكان يصطحبه في جلسات الإنشاد والطرب، حيث تعرف على كبار المطربين والمقرئين آنذاك.

وكان من ضمنهم الشيخ زكريا أحمد، الذي استعان به لحفظ الألحان التي كان يقدمها لأم كلثوم قبل أن تغنيها، لأنه كان لا يحب الحفظ، وكانت تلك الألحان مصدر فخر عند "إمام".

إلا أنه ما لبث أن تخلى عنه الشيخ زكريا، بعدما لاحظ أن ألحانه لأم كلثوم بدأت تتسرب إلى الناس قبل أن تغنيها، مثل: "أهل الهوى، وأنا في انتظارك، وآه من لقاك في أول يوم، والأولة في الغرام".

الاعتماد في الإذاعة المصرية

قرر "إمام" بعد ذلك دراسة العزف على العود، حيث تعلم على يد كامل الحمصاني، واتجه إلى تأليف الكلمات وتلحينها، كانت تلك المرحلة فارقة في حياته، واتجه إلى مجال الموسيقى وابتعد عن الحياة الأزهرية.

وفي عام 1945، درس مبادئ الموسيقى والموشحات، ومارس الغناء والعزف كهواية، وكان محظوظا حيث اعتمد مغنيا في الإذاعة المصرية في نفس العام، إلا أنه ما لبث أن تركها لأنه لم يجد نفسه فيها. وكان يغني في تلك الفترة ضد الحكم الفاسد والاحتلال والاعتقال في أثناء حكم الملك فاروق.

ثنائي لن يتكرر

ومنذ عام 1962، التصق الشيخ إمام بالشاعر أحمد فؤاد نجم، وكان السبب في هذه المعرفة هو زميل لابن عم "نجم"، وعندما سأل "نجم" الشيخ إمام لماذا لم تلحن؟ قال: "لم أجد كلام يشجعني".

وبدأت الثنائية بين الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، وتأسست شراكة دامت سنوات طويلة، وأخذا يعملان على تطوير الأغنية السياسية بصبغة شعبية، وكان صوتهما يعبر عن هموم الناس والفقراء ولسان حال طبقة كبيرة من الشعب المصري.

ذاع صيت الثنائي والتف حولهما المثقفون والصحفيون بعد أغنية "أنا أتوب عن حبك أنا؟"، وقدم برنامجا تليفزيونيا بعنوان "مع أشعار نجم وألحان إمام"، وكانت لنكسة عام 1967، أثر واضح على الثنائي، حيث عبرت ألحانهم وكلماتهم عن حالة اليأس والخيبة التي شعر بها المصريون والعرب، وحملت أغانيهم طابع السخرية، مثل: "الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا، ويعيش أهل بلدي وبينهم مفيش، وتعارف يخلي التحالف يعيش".

القبض عليهما

انتشرت قصائد نجم التي لحنها وغناها الشيخ إمام، ولكن هجوم الشيخ أمام في أحد أغانيه على الأحكام التي برأت المسؤولين عن نكسة 67، تسبب في القبض عليهما عام 1969، ليحاكما بتهمة تعاطي الحشيش، ولكن القاضي أطلق سراحهما بعد ذلك.

وظل التضيق الأمن عليهما حتى حكم عليهما بالسجن المؤبد. حيث قضى الشيخ إمام ونجم الفترة من هزيمة 67 حتى نصر أكتوبر يتنقلا من سجن إلى آخر ومن معتقل إلى آخر ومن قضية إلى أخرى.

وقدما في هذه الفترة أغنية "شيد قصورك"، حتى أفرج عنهما بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.

ظل الشيخ إمام والشاعر أحمد فؤاد نجم، ممنوعين من الخروج من مصر حتى عام 1984، وبعد ذلك اشتركا في عدد من الحفلات في فرنسا بدعوة من وزارة الثقافة الفرنسية.

من العزلة إلى الموت

وفي منتصف التسعينيات، اعتكف الشيخ إمام داخل حجرته بحي الغورية، واعتزل عن الناس جميعا، حتى توفي في 7 يونيو، عام 1995، لتنتهي أسطورة الثنائي الذى لم نراه من قبل ولن يتكرر أبدا.

ولكنه تكرك خلفه أكثر من "350 أغنية"، أغلبهم ذات مضمون سياسي ووطني، وغيرها من الأغاني الساخرة والناقدة.