التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 01:38 م , بتوقيت القاهرة

"الأتوبيس" الذي غير حياتي!

أرتدي ثيابي على عجل، أعدو كي ألحق بأتوبيس المدرسة الذي ينتظرني عند ناصية الشارع، يقوم عم "حسن" بوضع "كوعه" الأيسر على الكلاكس أثناء تصفحه لجريدة الأهرام.. غير ملقي البال بصوت الكلاكس غير االمنقطع الذي يستدعي به الطالبات.

أمسك بالفرشاة وأصفف شعري سريعًا، في الوقت الذي تحاول ماما وضع قدمي داخل الحذاء الأبيض، ضيق العنق قائلة بصوت أشبه بالصريخ "دخلي رجلك كمان ". أعدو لخارج المنزل، أذكر أنني قد نسيت الزمزية التي يقتسمها لونان الأحمر والأصفر، ويزينها غطاء أخضر اللون.


أعود سريعاً فأجد ماما تناولني إياها.. أهرول وأنزل السلالم على عجل.. وعندما أصل لناصية الشارع أجد "عم حسن " قد رفع يده عن الكلاكس وأدار المحرك وذهب في أمان الله متجهًا للمدرسة.


أكظم غيظي واضطر للجوء لعمو "شريف" صاحب أهم تاكسي في المنطقة، ترجع أهميته لأنه ينقل تقريبًا نصف طالبات المدرسة في سيارته البيجو.. ويحفظ أشكالهن وأسمائهن ومراحلهن الدراسية واحدة واحدة دون أن يخطئ!


أركب معه بعد أن يسمعني التعليق الساخر كالعادة "إنتي مشتركة في الأتوبيس ده عشان يفوتك"، ثم ترن ضحكته عالياً في أرجاء الشارع الهادئ في السادسة صباحًا.. أثناء جلوسي على الكرسي القاطن بجانبه والذي تشاركني فيه 5 بنات أخريات، بالإضافة لواحدة تجلس على حجري!


ما إن أصل لمقعدي في الفصل حتى أتنهد تنهيدة الارتياح، أشعر بالراحة في استنشاق أكسجين نقي وأخرجه على هيئة ثاني أكسيد الكربون بعد نصف ساعة من شم رائحة الجاز التي تفوح من شعر الفتاة الجالسة على حجري والذي أزفره بالطبع على هيئة "بترول".  لكن فجأة يباغتنا مستر "عبد العزيز " بالكلمة التي أبكت الملايين "اقطعوا ورقة من نص الكشكول، واكتبوا عليها اسمكوا ".


يكتب بضعة أسئلة على السبورة ويطلب منا الإجابة عنها.. ينكفئ كلُ على ورقته، وأنا من بينهم أكتب وأكتب وأكتب ثم ألاحظ أنني أخطأت في سطر كامل.. أبحث في مقلمتي عن الcorrector الشبيه بزجاجة المانكير والتي تتكون من علبة بوية بيضاء معها فرشاة.. تغمس الفرشاة بداخل العلبة وتمسح جوانبها على الحافة ثم برفق تبيّض المنطقة "المرجوة" رايح جاي!


المهم اكتشفت الفاجعة أنني نسيت الـcorrector في البيت، وليس هناك وقت لإعادة الورقة، ونظراً لكرهي الشديد لفكرة "الشطب"، لم يكن هناك بُد من وضع الأستيكة على حافة اللسان ثم برفق أقوم بحكّها بالكلام الخاطئ فتبتل الورقة وتنخرم خرماً كبيراً.


أشعر بالضيق من تسليم الورقة ذات الخرم الكبير والتي أستطيع أن أنظر من خلاله لكل الفصل.. لكن تمتد يد مستر عبد العزيز وتسحب مني الورقة معلّقاً "حلوة العين السحرية اللي إنتي عملاها في الورقة دي " أشعر بالحرج وأنتظر أن يدق الجرس المنشود "جرس المرواح" لينتشلني من عين مستر "عبد العزيز " التي تتطلع بي من العين السحرية خاصتي.


وأخيراً وبعد طول انتظار" يدق الجرس" ولكن مبكراً عن ميعاده، وكأن الله استمع لدعواتي وشعر بمدى ضيقي.

أتوجه لأتوبيس المدرسة فأجد " عم حسن " جالساً أمام عجلة القيادة يحتسي الشاي بلبن.. ثم يأذن لي، بالذهاب لشراء الحلوى.. حيث إنه لازال هناك وقت.. وهنا يتسنى لي أن أذهب لدادة " أم محمود " وب 75 قرشاً أستطيع شراء (سامبا موف +كي كي +شعرية بالبرتقال ).. وأتوجه في هدوء نحو الأتوبيس لأجد عم حسن يدير المحرك ويغادر المكان متوجهاً للمنزل - من دوني كالعادة !


أذكر كيف جلست في غرفتي طويلاً لأفكر وأتساءل "أنا ليه بيحصل معايا كده ؟" .. "اشمعنا أنا اللي بيفوتني كل حاجة ؟؟ "   ...


ثم مر الزمن سريعاً أمامي.. ودون أن ألحظ .. كبرت.. وتضخمت العقدة بداخلي.. بدأت بالإيمان أنني "منحوسة" وظننت أنه لربما قدري أن تفوتني الاشياء على الدقيقة الأخيرة.. ظللت طويلاً أحسب ان الدنيا تتواطئ ضدي.. وأنني دومًا سأعدو لاهثة خلف الحياة ولن تقبل هي أن تنتظرني.. فـ رُحت أسبق خطواتي بخطوة.. وأستبق الأحداث وأنغمس بالتفكير فيما هو قادم، متجاهلة ما أملكه الآن ومتناسية أن أعيش الحاضر.. منشغلة عما هو موجود.. بما أتمنى وجوده.


لكن لاحقاً عندما نضجت و لم أكبر فحسب.. أدركت.. أنني لم أعد في حاجة لكل تلك الأفكار السخيفة.. لأن الأمر لم يخرج عن كون "عم حسن" مستقصدني ? ?


#ليه_كده_يا_عم_حسن؟؟