التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 02:21 م , بتوقيت القاهرة

"في أمثالنا الشعبية".. فتّش عن العنصرية

أثارتتصريحات المستشار محفوظ صابر وزير العدل السابق في أحد البرامج التلفزيونية، موجة من الانتقادات، بعد تصريحه أن "ابن عامل النظافة لن يصبح قاضيا، لأن القاضي لا بدّ أن يكون قد نشأ في وسط مناسب لهذا العمل".

ووصف عدد كبير من مستخدمي الإنترنت الوزير بـ"العنصري" مطالبين بإقالته من منصبه، وهو ما تحقق فعليا في اليوم التالي.

"دوت مصر" يحاول معرفة كيف تسللت العنصرية للغتنا، ومنها لأمثالنا الشعبية، حتى  أصبحنا نلجأ إليها بوعي -أو دون وعي في أحيان أخرى- للتعبير عما نمرّ به. 

بالعودة للوعي الجمعي، وإفرازاته التي تؤثر في كثير من شؤون الحياة اليومية، فإن الأمثال الشعبية المصرية تبدو مدخلا مناسبا لمحاولة الفهم، باعتبارها "خزّانا ثقافيا" يعبّر عن وعي قطاع كبير من المجتمع ونظرته للحياة. 

ونظرة عابرة إلى الأمثال الشعبية المصرية، تكشف العنصرية والطبقية المتضمنة داخل بعضها، رغم أن الناس يتداولونها باعتبارها حكمة، وخبرة حياتية مهمة، دون الانتباه لما تكرّسه -أحيانا- من أفكار رجعية وغير حضارية بالمرة.

وتتنوع المغالطات والنقائص التي تعجّ بها تلك الأمثال، بين العنصرية للون، أو لمكان معين، أو التمييز الجنسي، وازدراء الآخر، والتقليل من شأنه، وحتى إحباطه ودفعه للاستكانة والاستسلام والرضا بما هو عليه، حتى وإن كان وضعا خاطئا، مثلما هو الحال مع تصريحات وزير العدل الأخيرة.

ضد المرأة

في مجتمعنا،تصبح الذكورة ميزة اجتماعية في ذاتها، تمنح  لصاحبها الامتياز، حتى وإن كان مملوءا بالعيوب، وهو ما تشير إليه حفنة من الأمثال المتوارثة، في نفس الوقت الذي تظهر فيه الأنثى مصدرا لجلب العار، ومتهما محتملا، حتى إن لم تكن التهمة واضحة، فهي ضلع المجتمع الأعوج الذي يسبب صداعا أبديا لا يزول، سوى بعدله أو كسره، كائن ناقص لا يستطيع تدبر حاله بمفرده، ويُشترط التحاقها برجل كي تتحقق ككائن يمكن الاعتداد به.

تقول الأمثال:

"شورة المرَة تجيب ورا"

?"ما يجيبها إلا رجالها"

"اللي يمشي ورا المرة يتوه.. واللي يمشي قدامها عمره يطول"

"شاوروهم واخلفوا شورهم"

"موت البنات سترة"

"الفاجرة داويها والحرة عاديها"

"ضل راجل ولا ضل حيطة"

وإضافة إلى أن الصفات التى تنسب للمرأة سلبية في الغالب، فإن لغة الأمثال متحيّزة كذلك. حيث تستخدم التأنيث غالبا، حينما يكون الحديث عن عيب ما.

"عامية وعرجة وكيعانها خارجة"

"عورة وبنت عبد.. ودخلتها ليلة الحد"

"في الأكل سوسة.. وفي الحاجة متعوسة"

"عايبة بتعلّم في خايبة.. قال للاتنين نايبة"

ضد الآخر

رغم أن المصريين اعتادوا لقرون، التعايش مع شعوب وجاليات مختلفة من الشرق والغرب، فإن ذلك لم ينجح  -في أحيان كثيرة- في خلق ثقافة متسامحة ومفتوحة على الآخر المختلف.

وفي أيامنا الحالية، نجد نوعا مختلفا من العنصرية الإقليمية، نحو الفلاحين و"الصعايدة". هذا النوع من العنصرية لم يجد له مكانا في الأمثال الشعبية قديما، فاختار البعض اختراعه في أحاديث تأتي فيها كلمات "الفلاح" و"الصعيدي" أشبه بـ"سُبّة" يجب أن يخجل منها حاملها.

"حبيبك اللي تحبّه ولو كان عبد نوبي"

"جاي من ورا الجاموسة"

ضد الإنسان عموما

هناك أمثال شعبية رائجة، تمارس سلطتها التوجيهية على الآخرين، وتحدد إطار طموحهم ومستقبلهم، وكل ما يمكن أن تكون عليه حياتهم.

أمثال لا هدف واضح من ورائها سوى تسويق ثقافة الإحباط في المجتمع، بصناعتها نماذج بشرية يائسة وفاقدة الثقة في إمكانياتها وقدراتها، وتدمير الإنسان وكسر ثقته بنفسه، وإحباطه ومنعه من ممارسة حقه الطبيعي في الحياة بتكريسها لتشكيلة من التمايزات الطبقية والجنسية والنوعية، وإعادة إنتاج قيم غير حضارية في شكل نصائح أو جمل، تحمل الحكمة الخالصة، تتوارثها الأجيال بإخلاص ساذج يبعث على الدهشة.

 

"الميّة ما تطلعش في  العالي"

" العين ما تعلاش على الحاجب"

"زي القنفد، لا ينحضن ولا ينباس"

"على قد لحافك مد رجليك"

"طور الله فى برسيمه"

"صرصار وعشق خنفسة، دار بيها البلد محتار"

"ضعيف وياكل مية رغيف"

ما يؤكد أن اللغة أحيانا ما تتحول إلى وسيلة لتمرير العنف والتمييز والعنصرية، عندما يستغلها حاملوها على الوجه الذي لم تخلق له، ويخرجون بها عن وظيفتها الأساسية، كوسيط لتناقل الخبرات والمعرفة بين البشر، وإرشادهم للحق والخير والجمال.