التوقيت الخميس، 02 مايو 2024
التوقيت 06:00 ص , بتوقيت القاهرة

بوكرز| "القوس والفراشة".. عن جمالية الرجل في الخمسين

ينظر العالم الروائي في "القوس والفراشة" للحياة من زاوية رجل في الخمسين، مشكلة الروايات التي يكون بطلها في هذا العمر أنها تتناول حياة رجل عمره خلفه، فكل ما يمكن أن يحدث حدث بالفعل، ولم يعد هناك سوى التفكير في أبعاد ما حدث، وتداعياته وانعكاساته.


ولكن من جانب آخر، فإن رواية الكاتب المغربي محمد الأشعري أعطت بعدا جماليا لشخصية الرجل في هذه المرحلة، وقدمته بشكل أكثر جاذبية. يوسف الفرسيوي يسرد قصة حياته، الواقعة في المنتصف بين حياة والده، صاحب الأحلام الكبيرة والخيبات الكبيرة. وحياة ابنه الذي لم يتسنَّ له أن يحلم ولا أن تخيب آماله، فقد سافر لـ"الجهاد" مع طالبان قبل أن يتمّ العشرين من عمره في أفغانستان ومات هناك.



فازت "القوس والفراشة" بالنسخة الرابعة من الجائزة العالمية للرواية العربية في 2011، مناصفة مع رواية "طوق الحمام" للكاتبة السعودية رجاء عالم، وقالت لجنة الجائزة في حيثياتها إن "الرواية رائعة ومبدعة، وتناقش بشكل عقلاني ومنطقي مسائل وقضايا حساسة تخص منطقة الشرق الأوسط، وهي مشكلات شاهدناها مكتوبة على اللوحات خلال التظاهرات الأخيرة التي هزت المنطقة العربية بأسرها مطالبة بالتغيير. "تتناول "القوس والفراشة" موضوعي التطرف الديني والإرهاب من زاوية جديدة، وتستكشف تأثيرات الإرهاب على المنطقة العربية لا على الغرب".


ولكن في رأيي أن أهم مميزات "القوس والفراشة" الجانب النفسي المبهر من شخصية الفرسيوي، الرجل الذي "تمرّس باللّذات" في صباه وشبابه، ثم فجأة فقد حاستي الشم والتذوق، وفقد الشعور بالحب أو الكراهية، بالمتعة والألم. فكيف عاش بهذا الشكل؟


حقق أفضل نجاحاته المهنية والعملية و"العاطفية"!


"أصبحتُ أكثر إقبالا على الحياة، وأكثر غزارة في الإنتاج، كنتُ أكتب عمودا يوميا وأنشر مقالا نقديا فنيا كل أسبوع في مجلة متخصصة، ويجب أن أعترف بأن هذه الحياة الجديدة كانت بعثا حقيقيا جعلني أعود لنفسي وأهتم بها".


وفي أثناء "الغوص" في الحياة النفسية للفرسيوي تستعرض الرواية من زاويته الخاصة، الواقع الاجتماعي في المملكة المغربية، وانتشار الفساد والفكر المتطرف، وفشل منظومة الزواج، والفجوة بين الأجيال، وغيرها.


هل أدى تنوع موضوعات الرواية بهذا الشكل إلى تشتيت القارئ؟ الإجابة نعم ولكنه كان ضروريا، لأن النص يناقش كل تلك القضايا التي تلح على وعي الفرسيوي، والذي يشكل جزءا مهما من نفسيته.


ورغم ذلك فإن إنقاذ الحبكة من التشتيت والإغراق في السرد كان ممكنا، فقط لو حملت الرواية أحداثا ذات قيمة لما بعد وفاة ابن الفرسيوي، مزيد من الأحداث كان سيعني مزيدا من التشويق، ومزيدا من الأسباب التي تدفع القارئ لإكمال الرواية، ولو تحقق ذلك لتربعت "القوس والفراشة" على رأس روايات البست سيللر لسنوات - بصرف النظر عن فوزها بالبوكر.



الأديب المغربي محمد الأشعري


إلا أن الرواية في صورتها الحالية ليست سيئة أبدا، بل إنها من أفضل ما كتب في الأدب العربي الحديث، ليس فقط بسبب اللغة، إنما أيضا بسبب الزوايا المميزة وغير التقليدية التي تناول بها الكاتب الموضوعات. فمثلا تناولت الرواية أزمة انتشار التطرف الديني من زاوية التفكك الأسري، وأزمة المناضل اليساري عندما يتخلى عن أيديولوجيته ويبدأ في النظر للعالم من منظور فردي غير أيديولوجي فـ:"المفاجآت التي تحس بها عندما ترى بعين خارجية كيف أصبحت في ضوء هذا الكائن المدهش، كيف تنتج مشاعرك، وكيف تولد كلمات أخرى في فمك، وكيف تمشي في المدينة بخطى كأنها ليست لك".


كما أن اسم الرواية نفسه يحمل دلالة مهمة، فالقوس هو حلم ابن يوسف الفرسيوي (ياسين)، عندما فكر في زرع نبتة خضراء تشبه القوس في قلب مشروع أبي رقراق، الذي يفصل مدينتي الرباط وسلا، غير أنه ظل مجرد حلم، وتعبر الفراشة عن بناية ضخمة بمدينة مراكش، حجبت منظر الجبل الذي يستقبل الثلج شتاء، لكنها تعكس هشاشة الفراشة، لأنها بنيت بأموال الفساد والمضاربات العقارية.


للتواصل مع الكاتبة