التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 05:54 م , بتوقيت القاهرة

مِثلك تماما.. ابن مَـرَة

خـلق الرب آدم ووَهَــــبه الحياة في جنــة ظِلالها وارفة لا ينقصه فيها من صنوف النعيم من شيء.. لكــــــــن.. لم تستقِم الحياة بدونها ( المرأة)،  فكانت حـــــــواء فلا يتعلم أحد الدرس أنها (هي) الحياة منذ فجر الإنسانية وبغض النظر كان السَلَف أبونا آدم أو إنسان روديسيا تبقى (هــــــي)، وما علينا لنكُن موضوعيين وننحـي تلك الكُفريات جانبا لأن عندي ابن عاوزة أربيه، بالإضافة لأني مش حابة فكرة قضية ازدراء الأديان خالص الحقيقة.

لكن لنبدأ القول بديباجة لا أراها ضرورية، لكن في ظل الإرهاب المجتمعي تبقي حتمية. .ليه حتمية يا مدام ؟

كي لا يقفز أحدهم كَـ غراب أعرج ويترك أي مضمون ويتشبث بكلمة (مَــرَة)، المستخدمة بالمناسبة في كل اللهجات الناطقة بالعربية تقريبا، ويُقصد بها المرأة وتُنطًق وتقال بأريحية شديدة، لكن حين أكتبها أَنا ستصيب بعضهم بنوبات الهَسهَس، لذا علي أن أقطع عليهم أن ينعتوا شخصي الوديع بأقذع الوصوف، ونكرر في إيجاز قبل الولوج في صلب موضوعنا أن (مَـــرَة) لفظ لهجة عامية يستخدمه الناس محليا وشرق أوسطيا في الكناية عن المرأة.

لذا وَجَـب التنويه.. كل اللي له نبي يصلي عليه.. ونبدأ

تعرضت شخصيا لتجربة كنت أراها في البداية مريرة، لكني مع الوقت اكتشفت فيها جوهر الحياة وتكريم عظيـــــــــم لشخصــي المتواضع. فقد عِشت تجربة أن أكون مطلقة عشرينية وأم لطفل حديث الولادة، لم أدر فالبداية كُنْهُ الحكاية فقط تزوجت وتطلقت وعندي (طفل)، وربما أتزوج مرة أخرى وتستمر الحياة.. وحتى هذه النقطة من الحكاية لا جديد ولا مميز وقصة تحدث كثيرا.. كثيرا جدا.

لكن مع أول نظرة في عين ابني تغيّرت شيئا ومع لمسة إصبعه الصغير لجسدي تغيّرت شيئا، ومع نظرته الحالمة المملوءة بالتساؤل نحو عالم لا يعرف عنه سوى تلك الملامح وتلك الرائحة وذلك الملمس ونبرة الصوت التي تتكرر على مسامعه عبر شفتـــاي. ورحت أتغير وتتغير نظرتي لي وله وللدنيا شيئا فَشيئا فَشيئا.  إلى أن جاء أول الخاطبين فوجدتني أرفض!! ليس تعففاَ لكن خوفا وتعجبت مني لماذا وهو بمقاييسي مناسِب بل مثالي. 

وجدتني أرد على نفسي فورا .. طَيــب وابني!! 

هو شعور لا يدرك كُنهه سوى (أنثـى) وبالأحرى (أُم) قَد لا يدرك كثير من الرجال حقيقة مشاعر السيدات وهواجسهُن وقلقهن الدائم المستمر الذي لا ينقضي أبدا على أولادهن، وكل من تحبهم فتكرمهم وتميزهم بأن تدخلهم دائرة قلقها.. فأكدتُ على رفضي بل رحت أرفض وأرفض وأرفض لأني قلقة، ولأني أخاف ولأني مستمتعة أكثر بحياتي مع الرجل الصغير.. وتمر الأيام.

ونبدأ رحلة جديدة حين شَب قليلا وبدأنا نحتك بالعالم فنخرج للمول والمطعم ومحل الملابس والحديقة والنادي ..وحدنـــــا.

فين بابا ياحبيبي ؟

بابا بيشتغل إيه ؟

كانوا أكثر سؤالين يتعرض لهما ابني وفي الحقيقة لم يجب عنهما يوما، وكان يكتفي بأن ينظر لي في تساؤل شديد البراءة فهو لا يعرفه لم يره قَــط، وأنا لا أتحدث عنه أبدا.

ولأني مَنوط بي أدوار عِدة فأنا أم وأب وأخت وأخ وصديقة وصديق وبودي جارد ودادة وإخصائية اجتماعية ومحامية... كنت أتدخل فورا: مسافر يا فندم.. وكنت أكذب حِفاظا علي مشاعر ابني.. أكذب لأن الأب اختار حُـراً تماما أن يتنصل من أي مسؤولية وكأنما الولد من طلب الطلاق ولست أنا.. هي أيضا معلومات شخصية وديباجة لزوم مايلزم وهو الآتي ..

كُنا في المكان الراقي إياه، حيث نأكل ونشرب ما لذ وطاب، ونستمتع بشمس ساطعة، والأطفال يمرحون، مشهد عادي يحدث كثيرا، إلي أن عكر صفو اللحظة أنْ سمعته بأذني وهو يهمس لزوجته في صوت كَـ الحفيف، روحي إنتي قوليلها ماتخليش ابنها يلعب مع البِت..مش شايف معاهم راجل لو أبوه هِنا كنت قلتله.. أنا هاروح أكلم مَــــرَة!!

فابتسمت وتوجهت لهم في هدوء وقلت له المَـــرَة جَـت لحضرتك يا فندم "أأمر" هو باباه فعلا مِش موجود، لأنه في الغالب زيك كدا أنا موجودة عاوز إيه بس قولي؟!

ارتَبك وتلعثم وتكلل جبينه بعرق في حجم حبات البسلة، وعن زوجته المسكينة فَــ تململت في نِقابها وقالت.. لأ حضرتك فهمتي غلط مش بيقول عليكي.. فأمسكت بالكرسي المقابل واستأذنتهم في الجلوس فرحبوا فورا.. فبادرتها قائلة الكذب حرام بابتسامة عريضة.. ارتبك الرجل مُنتفخ الأوداج وأَكَــد وغَلَظ الأيمان علي أنه لا يقصدني البَتَــة، وأن ابني ظريف لطيف فقط هي روميساء لا تأنس باللعب مع الصبيان، فاستدرت لأنظر للروميساء المسكينة المفحوتة لعب مع ابني وولد آخر فقط هم الأطفال الموجودون.. وإذ بهاتفه النقال يصدح بصوت الأذان فرد بسرعة: السلام عليكم يا أمي..  أيوة أيوة..لا حاضر حاضر حاضر وأنهي مكالمته..وراح يسجل اسم دواء للقلب أعرفه في ورقة أمامه وينطق حروف الإنجليزية بصوت عالِ، فبادرته زوجته هو الدوا خلص.

وكنت أستعد للنهوض بعد مرور دقيقتين من مُباغتتي لهما.. فأجابها بوجه عبوس آه.. فَنَظَـــرت لي عبر نقابها وقالت ربنا يبارك فيه بار بوالدته ونِعم البر.. ترملت عليه وأخوته وهي بنت 35 سنة.. نهضت ودعوت لها بطول العمر ونظرت في عينه مُباشرة وقلت بصوت خفيض يعني حضرتك كمان ابن مَـــرَة.. وتركتهم في غمرة ذهولهما وفارقت بابني مكانهما. 

لم يكن هذا هو الموقف الوحيد بل هناك عشرات المواقف التي تعرّضنا لها إلى أن اعتدنا تماما وصار ابني يرد بكُـل ثقة لمن يطلب أن يرى أباه في أي موقف بـــ : بابا مش موجود تقدر تكلم ماما.. لكن هذا الموقف المذكور انطوى على عقدة إسقاط مرعبة.. عقدة إسقاط كَشَفَــــت عورة مجتمع كامل.. مجتمع يقتات على ومن النساء، وفي النهاية هي في نظره مهما علا شأنها مَــرَة.

والمفارقة أنه لا تستقيم حياة أعتاهم بدون تِلكَ المَــرَة.

لست أكتب بدافع نسوي، ولا بجرح شخصي ولا بألم، حاشا أن يكون في نفس ابني تعلمت وتأقلمت وواجهت وربيت وأربي ابني واثقا من نفسه شجاعا يحترم المرأة، لأنها من ربته حين تخلي الرجل عنه.. ربيته أن يكون قدوة للرجال ورجل يحترم النساء ولا يزدريهن.

كلماتي ليست أكثر من كونها رصدا لحال مجتمع معيب يكرهنا ويخشانا ويزدرينا وينتهكنا وهو قائم علي أكتافنا وحين يرضى ويقرر أن يطيّب خاطر إحدانا فــ  يشبهها بــ 100 رجل!!!..  أشكرك وأقول لك بملء فيً لست بــ 100 أو حتى 1000 رجل، أنا وأشباهي من نتقاسم الفخر والعِــز وتكريم الحياة بقدرية كوننا نساء، نفخر أيما فَخـر أن أكون مَــرَة بنت مَــرَة في مجتمع الرجال (إلا ما رحم ربـــي).