التوقيت الثلاثاء، 16 أبريل 2024
التوقيت 12:19 م , بتوقيت القاهرة

جابرييل جارسيا ماركيز: لوني المفضل الأصفر.. والرقم 13 ليس سيئا

كنت طالباً في السنة الأولى بكلية الحقوق (19 عاماً) عندما بدأت في قراءة المسخ لفرانز كافكا، وتحديداً الجملة الأولى "عندما استيقظ جريجوري سامسا ذات صباح، وكان يحلم أحلاماً مزعجة، وجد نفسه وقد تحول في سريره إلى حشرة عملاقة". هكذا أحب ماركيز تلك الطريقة التي كانت تتحدث بها جدته. وبدأ شغفه بعالم الرواية. بدأ بقراءة الإنجيل ثم الروايات وأهمل أعماله الدراسية والجامعية. ولد ماركيز في عام 1928 في أراكاتاكا في كولومبيا. التحق بالجامعة الوطنية في بوجوتا. في فترة الخمسيينات عمل صحفياً لعدّة دوريات في أمريكا اللاتينية، ومن بين روايته "مائة عام من العزلة"، "خريف البطريرك" التي تعتبرها عمله الأهم، و"قصة موت معلن". حصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1982 وله والدان، وينتقل بين إسبانيا، وكلومبيا، وباريس.


-السر وراء مائة عام من العزلة



في أحد المرات يُسأل جابريل جارسيا ماركيز عن الصورة البصرية التي من الممكن أن يستخدمها منطلقًا في عمله الأشهر (مائة عام من العزلة) فيجيب: رجلٌ عجوزٌ يصطحب طفلاً ليريه الجليد الذي كان يعرض كطرفة من طرائف السيرك. ليتابع عندما كنتُ صغيرًا في أراكاتاكا أخذني جدي لمشاهدة السيرك لرؤية الجمل العربي وحيد السنام، وفي يومٍ آخر ، قلتُ له بأنني أريدُ أن أرى الجليد، فأخذني إلى مستعمرة شركة الموز وطلب منهم أن يفتحوا صندوقًا من من سمك البوري المجمد وجعلني أضعُ يدي في الصندوق.  من هذه الصورة بدأتُ كتابة مائة عام من العزلة.


كما يسرد ماركيز أن دأب على كتابة مائة عام من العزلة يومياً من الساعة التاسعة صباحاً حتى الثالثة بعد الظهر يومياً على مدار عام ونصف العام.


"بعد سنواتٍ طويلة، وأمام فصيل الإعدام، تذكر الكولونيل أوريليانو بوينديا، عصر ذلك اليوم البعيد، الذي اصطحبه فيه أبوه، كي يتعرف إلى الجليد".


-مكان مثالي للكتابة



أي الأماكن تفضلّها للكتابة المثالية، يصمت ماركيز قليلاً ثم يجيب: قلتُ ذلك كثيراً من قبل: جزيرةٌ مهجورةٌ في الصباح، مدينة كبيرة أثناء الليل. في الصباح أنا أحتاجُ للصمتِ، وفي المساء القليل من الشراب مع بعض الأصدقاء لتبادل الحديث معهم. أنا في حاجة لأكون على اتصال دائم بالناس في الشارع، ومعرفة ما يدور في العالم. هذا يتطابق تماماً مع ما كان يعنيه وليام فوكنر عندما قال: إن المكان الملائـم للكتّاب هو البار، لأنه هادئ تماما في الصباح، لكن الوضع يكون مختلفاً في المساء.


-الفانتازيا منفرّة يا صديقي


يرى ماركيز أن التخيل هو أداةٌ لبلورة الواقع، وأن الواقع دائماً هو مصدر الخلق. وهو الذي يبقى في نهاية الأمر. الفانتازيا بمعنى الاختلاق دون أية قواعد أو شروط على طريقة والت ديزني هي أكثر الأشياء تنفيرا.


-همينجواي كاتب قصة رائع



كانت تربطه بأرنست هيمنجواي علاقة غريبة أشبه بالظلّ الذي ينفر من صاحبه. يحبه ككاتب قصة ولا يعترف به روائياً عظيماً. أحب ماركيز عبارة هيمنجواي عن القصة والتي يقول فيها: "إن القصة القصيرة، مثل جبل الجليد، يجب أن يدعمها الجزء غير المرئي – الذي يتخلص في كل الأفكار، الدراسات والمواد التي تم جمعها ولكنها لم تُستخدم بصورة مباشرة في القصة. نعم. إن هيمنجواي يعلمنا الكثير، يعلّمنا كيف نقّدر الطريقة التي تتمكن من بها القطة الخروج من المأزق رغم تضييق الحصار حولها.


-حكايات الأمير الصغير



قائمة ماركيز عن كتبه المفضلة لا تنتهي لكنه يحصرها في جوزيف كونوراد وأنطوان سانت أكسوبري. فلماذا؟ لأنهما يشتركان في الأسلوب ذاته الذي يقترب من الواقع، والتي تجلعه يبدو شاعريا. كما إنه يرى أن وليام فوكنر الروائي الأهم.


لكن ماركيز كان شديد الشغف برواية الأديب الياباني "يوسناري كاواباتا" الجميلات النائمات والتي كتب مقدمتها التي قال فيها:


"على كل حالٍ، الكتاب الوحيد الذي وددتُ لو أكون كاتبه هو "منزل الجميلات النائمات" لكاواباتا، الذي يحكي قصة منزل غريب في ضواحي طوكيو، يتردد إليه برجوازيون يدفعون أموالاً طائلة للتمتع بالشكل الأكثر الأكثر نقاءً للحب الأخير: قضاء الليل وهم يتأملون الفتيات الشابات الأكثر جمالاً في المدينة واللواتي يرقدن عاريات تحت تأثير مخدر إلى جانبهم في السرير. لا يملكون حق ايقاظهن ولا لمسهن. ولا يحاولون على أيه حال لأن الاكتفاء الأكثر صفاءً هو المتعة الناجمة عن الشيخوخة هو إمكانية الحلم إلى جانبهن".



"لقد عشت هذه التجربة مع الجميلة النائمة في الطائرة المتجهة إلى نيويورك، غير ذلك لم يمتعني. على العكس الشيء الوحيد الذي تمنيته خلال الساعة الأخيرة من الطيران هـو أن يوقظها المضيف لأتمكن من استرجاع حريتي أو ربما شبابي. لكن ذلك لم يحدث. ذلك أنها استيقظت من تلقاء نفسها عندما لامست الطائرة الأرض لتضيع بين الجموع. تابعتى على الطائرة نفسها طريقي إلى مكسيكو، مجتراً دفعات الحنين الأولى لجمالها إلى جانبي على المقعد الذي لايزال فاتراً إثر نومها، دون أن أتمكن من أنتزع من رأسي ما قاله الكتّاب المجانين عن كتبي في باريس، قبل أن تحط الطائرة، وعندما قدموا لي بطاقة النزول، عبّأتها بنوع من المرارة. المهنة: كاتب ياباني. العمر: اثنان وتسعون عاماً". وعندما انتهى ماركيز منها كانت روايته البديعة "ذكرى غانياتي الحزينات".


-وساوس جابو



لا يرى ماركيز أن الرقم 13 يجلب سوء الطالع، لأن من ابتدع تلك الخرافة هو وحده المستفيد منها تماماً  كما الحـال في القطط السوداء والسير تحت السلم الخشبي. أما عن الزهور الصفراء فإنها تلك الحـالة التي تشعره بالأمـان طول الوقت تماماً كالنساء.


"حاولت ذات مرة أن أنجز عملاً دون وردة على المكتب، لكني لم أتمكن من أنجز ورقة واحدة. روحت ألقي ورقة تلو الأخرى. ثم نظرت إلى مزهرية الورود وعرفت السبب لم تكن هناك ورود. صحت طالباً الوردة، وبدأ كل شيء يسير على ما يرام". ويتابع أيضاً إن اللون الأصفـر هو لوني المفضل، وليس لون الذهب لأنه يذكرني لون البراز الذي أرفضه منذ صغري عندما أخبرني بذلك أحد الأطباء النفسيين. 


إنه جابريل جارسيا ماركيز، والذي ظلّت زوجته مرسيدس أكثر الأشخاص تأثيراً في حياته.