التوقيت الإثنين، 29 أبريل 2024
التوقيت 06:08 ص , بتوقيت القاهرة

كشري وحلواني "هيباتيا"

تبدأ الحكاية عندما بدأت بطني في الجوع، فاشتهت سندوتشات الفول والجبنة البيضاء بالطماطم، وكما هو المعتاد في العمل، وتطبيقًا لمقولة "اللي ياكل لوحده يزور"، سألت الزملاء السؤال التقليدي أنا جعانة مين هيطلب معايا؟


فلاقى الطلب جماهيرية كبيرة، فالمناخ البارد له مفعول السحر على البطون، وفي غضون نصف ساعة كانت بحوزتنا كمية لا بأس بها من الطعام يسد جوعنا على نحو جيد، وكعادة البنات فلا يوجد فطار بدون "رغي".


- وانتِ بقى جديدة معانا في المكان؟ 
- ااه بقالي شهر تقريبا. 
- متجوزه؟
- أيوة ومعايا بنوتة يدوبك كام شهر. 
- اسمها إيه؟
- "هيباتيا".
- الفيلسوفة  بتاعت رواية "عزازيل


لمعت عيناي، فقد دفعت زميلتي الجديدة جرعة من الأدرينالين في روحي دون أن تقصد، ووجدتُ نفسي أتساءل "هو في ناس كده!!!"؟


وبالمزيد من المعلومات عرفت أن الأبوين التقيا في ميدان التحرير، فالأب محامي حقوقي والأم صحفية، فطبيعي أن تكون هذه "الهيباتيا" من ذاك الأسد.


هيباتيا صحيت.. هيباتيا مع بابا.. هيباتيا مع جدو.. هيباتيا تضحك للكاميرا.. هكذا كانت أغلب صور "هيباتيا" أو "هيبي" على "فيس بوك".. بنت رقيقة في حجم عروسة الأطفال، ولها عينان مميزتان.. عينان تشعان بالحماس. هاتان العينان اسْتوقفاني كثيرًا لأسألهما سؤالا واحدًا.. هل أنتما مستعتدان للعيش في مصر؟ وإلى متى سيصمد بريقكما في مواجهة مجتمعنا؟


"هيباتيا" الحبيبة لربما سيجعلكِ اسمك تبدأين العراك مع الحياة مبكرًا على غير الكثيرات من الفتيات اللائي اختبأن خلف أسماء عادية، ومنحتهم تلك الأسماء الوقت الكافي حتى كونَّ شخصية تحارب عادةً أو تتمرد على معتقد.


أما الأمر بالنسبة لكِ سيكون مختلفًا، ستبدأين في الجدال والعراك منذ أن يسألوكِ ما اسمكِ؟ فستجيبين بقصة طويلة عن فيلسوفة سكندرية تعلّمت على يد أفلاطون، وكانت أول عالمة للرياضيات، وماتت ميتة بشعة بسبب التطرف الديني. 


"الأيادي ممدودة كالنصال، منها ما فتح باب العربة، ومنها ما شد ذيل الفستان الحريري، ومنها ما جذب هيباتيا من ذراعها فألقاها على الأرض. انفلت شعرها الطويل الذي كان ملفوفا كالتاج فوق رأسها،فأنشب فيه بطرس أصابعه، ولوى الخصلات حول معصمه، فصرخت،فصاح:باسم الرب،سوف نطهر أرض الرب سحبها بطرس من شعرها إلى وسط الشارع، وحوله أتباعه من جند الرب يهللون. حاولت هيباتيا أن تقوم، فرفسها أحدهم في جنبها فتكومت، ولم تقو على الصراخ. أعادها بطرس إلى تمددها على الأرض، بجذبة قوية من يده الممسكة بشعرها الطويل. الجذبة القوية انتزعت خصلات من شعرها، فرماها، نفضها من يده، ودس السكين في الزنار الملفوف، حول وسطه، وأمسك شعرها بكلتا قبضتيه،وسحبها خلفه.. ومن خلفه أخذ جند الرب يهتفون هتافه،ويهللون له وهو يجر ذبيحته".


هكذا قضت هيباتيا لحظاتها الأخيرة في دنيانا كما وصفها يوسف زيدان في روايته "عزازيل"، تلك اللحظات التي كُتب عليكِ أن تخلديها يا حييتي، وستدخلين في نقاشات وجدالات لا حصر لها، ولِمَ لا فلكل منا من اسمه نصيب.


سيتلعثم الكثير في نطق حروفه، وربما سيرهقك تعلمه في البداية، فهو غير متداول، فلن تجدي ما يُسمى "صيدلية هيباتيا" أو "كشري وحلواني هيباتيا".


كما أنك ستحرمين من أن تسمعي اسمك في قصص المسلسلات التركية أو حتى مسلسلات الكارتون، وحين تقررين البحث عن نفسك في مكان ما، لن تجدي نفسكِ إلا بين رفوف كتب الفلسفة والرياضيات العتيقة، وستشتمين عطرك بين أروقة مكتبة الإسكندرية القديمة، وروحك ستكون رومانية خالصة، تذوب عشقا في مياه البحر.


أنتِ عريقة قبل أن تولدي.. مميزة قبل أن تخطو خطواتك الأولى.. في عينيكي سحرٌ قبل أن تتعلما النظر.. فاطلقي لروحك العنان.. انهلي من اسمك ما تشاءين.. حرري "هيباتيا" من عصور الماضي السحيق، وأهلا بها معنا في الألفية الثالثة.