التوقيت الأربعاء، 24 أبريل 2024
التوقيت 01:14 م , بتوقيت القاهرة

جوليان مور تلون خرائط كروننبرج الجنسية في Maps to the Stars

هوس هوليوود بصناعة أعمال عن أهل هوليوود مسألة طبيعية. والأعوام الأخيرة شهدت عرض عدد كبير من الأعمال الناجحة عنهم، لدرجة أن آخر 4  سنوات، شهدت فوز 3 أفلام بأوسكار أفضل فيلم (The Artist 2011 - Argo 2012 - Birdman 2014).


القائمة السابقة تقدم شكلا إيجابيا (وشبه رومانسي أحيانا) لأهل هوليوود، وهو ما لا يفعله أبدا المخرج الكندي ديفيد كروننبرج في أعماله، المتعلقة دائما بشخصيات مختلة نفسيا. ولا يفعله هنا بصفة خاصة في آخرها خرائط للنجوم Maps to the Stars. الفيلم سوداوي الطابع وأقرب لـ Sunset Blvd. 1950  منه إلى الأعمال السابقة عن هوليوود. ومن الطريف أنه أول عمل يصوره فيها، لأنه طوال مشواره الفني على مدار ما يقرب من نصف قرن، يفضل التصوير في كندا أو إنجلترا. 



ألقاب المخرج عديدة، لكن أشهرها وأكثرها ارتباطا بفيلمنا  King of Venereal Horror  أو ملك رعب الأجهزة التناسلية. الجنس في سينما كروننبرج يتراوح ما بين الموتر والمزعج والمرعب. وحجر الأساس للعقد النفسية للأبطال. ودائما موظف بشكل خاص ليصبح جزءا صادما من مراحل تطور الأحداث والشخصيات. لدرجة تجعله يقدم على سبيل المثال في فيلم تصادم Crash 1996، مشهد لرجل يضاجع جرحا مهشما ينزف في ساق أنثى، بعد حادث تصادم سيارة. وهو وصف كفيل بمنحك فكرة بسيطة عن سينماه.


سيناريو بروس واجنر يعود إلى التسعينات، وكتبه من وحي تجاربه الشخصية السابقة كسائق ليموزين في هوليوود، وهي شخصية أضافها للسيناريو، الذي يتقاطع فيه شخصيات عديدة.


لدينا بالأساس هافانا (جوليان مور). نجمة هوليوودية متوترة نفسيا في الأربعينات، تسعى جاهدة للفوز بدور البطولة في إعادة إنتاج لفيلم قديم، صنع شهرة ومجد والدتها الممثلة الراحلة. رغم أنها تتهم أمها بانتهاكها جنسيا أثناء طفولتها. 



بينجي (إيفان بيرد). طفل نرجسي ونجم مغرور لم يتجاوز الـ 13، يستعد لتصوير الجزء الثاني من فيلم حقق أكثر من 700  مليون دولار، وابن لأسرة مضطربة لها تاريخ شائك تحاول حجبه عن الإعلام (جون كوزاك وأوليفيا ويليامز). 


أجاثا (ميا واسيكوسكا). المصابة بحروق واضحة أثر حادث، التي تزور هوليوود وتتعرف على سائق الليموزين جيروم (روبرت باتنسون). الشاب الذي يبحث عن فرصة للتمثيل أو الكتابة، والارتقاء في مدينة الأثرياء.


الشخصيات تعاني من ماضي بائس، يتجسد في خيالاتها كأشباح باستمرار، لكن على العكس مثلا من فيلم كروننبرج الشهير نطاق الموتى The Dead Zone 1983  الذي يدور أيضا عن شخص تطارده رؤيا باستمرار، تم التنفيذ هنا بشكل كسول نسبيا. وهى الأزمة التي ازدادات حدة بسبب بعض الاختيارات التمثيلية الغير موفقة، وعلى رأسها جون كوزاك وروبرت باتنسون.



الصورة أيضا فقيرة بعض الشىء في بعض المقاطع، وتذكرنا بالسنوات الأولى للكاميرات الديجيتال في عالم السينما العقد الماضي. ورغم أن الكاميرا بالأساس مجرد أداة، تنتج صورة متباينة طبقا لمهارات المصور، يبدو عامة أن كاميرات Sony لا ترقى بعد لكفاءة كاميرات Arri. التي تنتج أحيانا مع خبراء التصوير، صورة بدرجات جودة عالية، يصعب معها التفرقة عن صورة كاميرات السللوليد او الفيلم الخام. 


التصوير تم في هوليوود، ومشاهد شارع الشهرة ولافتة هوليوود الشهيرة الضخمة وخلافه تتكرر باستمرار، ورغم هذا يفتقد المكان للحضور السينمائي المطلوب، رغم أهميته دراميا، وحقيقة أنه أشهر موقع سينمائي في العالم.


في المقابل تتألق كالعادة جوليان مور، بدور فازت عنه بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان، ورُشحت عنه للكرة الذهبية. ولاحظ هنا بالمناسبة اختيارات خبراء السينما الأوروبية لأدوار التكريم، التي تطابق نظرتهم وتصنيفهم الاستعلائي الثابت المتدني لهوليوود، كموطن الحمقى والمفلسين فنيا والمختلين نفسيا!



مور التي فازت أخيرا بأوسكار عن Still Alice، تمنح الدور الطابع الصحيح المُضطرب المُقلق غير مُتوقع التصرفات، لشخصية لا تدرك أنها على حافة الانهيار. وعندما تشاهد الفيلم بعد شهرين فقط من الأخير، تتأكد من جديد إلى أي مدى يمكن لموهبتها أن ترفع أسهم أي فيلم.


كروننبرج المهووس دائما بفكرة تحلل الجسد أو الوعاء (eXistenZ 1999 - The Fly 1986)، استعان بشخصية لفتاة بوجة وجسد محترق، بجوار نجمة هوليوودية، مذعورة من التقدم من العمر، تحتاج في أحد المشاهد الى من يؤكد لها جنسيا أنها أجمل وأكثر اغراء، من صاحبة الجسد المحترق. في عالم كروننبرج المرعب الكل يذبل وينتهي. المسألة وقت فقط لا غير.


أنا من كوكب المشترى.
بهذة العبارة تجيب إحدى الشخصيات باستهتار سؤال (من أين أنت)، وهى نفس الإجابة التي تلخص ربما منشأ سينما كروننبرج. رغم كل عيوب الفيلم، لا تزال بصمة مخرجه المختلفة والمرعبة واضحة. المخرج الذي أمضى عمره في صناعة سينما عن كائن بائس نرجسي مغرور انتهت صلاحيته، ولا سبيل لإصلاحه، يزور هوليوود أرض السينما والشهرة والغرور. حيث لا مكان أو مكانة، لمن لا يملك صلاحية الجسد والشكل. 



باختصار:
خرائط كروننبرج لنجوم هوليوود، لا يصل في النهاية إلى وجهته، لينضم إلى قائمة أعماله المهمة، لكنه يحتفظ بكل معالم طريقه السينمائي المميز. ويزداد أهمية بفضل أداء تمثيلي ممتاز أخر من جوليان مور، التي تعرف طريقها باستمرار، دون الحاجة لأي خرائط إرشادية. 


لمتابعة الكاتب