التوقيت الجمعة، 19 أبريل 2024
التوقيت 08:31 م , بتوقيت القاهرة

قانون الحاسة السابعة !

تستيقظ الأم مفزوعة من نوم عميق، وتذهب إلى غرفة طفلها لتجده على حافة السرير يوشك على السقوط! ماذا حدث وكيف عرفت ولماذا قامت؟ إنه قلب الأم. هو نفسه الذي يشعر بابنها على مسافة آلاف الأميال.. هي في بلد وهو في بلد.. لكن الإشارات بينهما لا تنقطع. يبكي لحزن أو ألم فينقبض قلبها وتبكي مثله في نفس اللحظة وهي لا تعرف لأي الأسباب تبكي.. لكنها تؤكد لكل من حولها أن ابنها في أزمة.. ومهما حاول الجميع أن يؤكدوا لها العكس تُصر هي على أن ابنها في مشكلة ما.

هذه ليست الحاسة السادسة التي يمتلك بعض الناس أسرارها.. هذه حاسة الأم.. الحاسة السابعة. الإحساس الذي يجعلها من فرط الحب تدرك عن بعد أشياء كثيرة غامضة ومجهولة. إنها الوحيدة التي تعرف هل ابنها جائع بردان خائف.. هذه الحاسة التي لم تخضع لدراسات علمية معقدة يمكن أن نفسرها أو نرتبها أو نفكها.. فهي خلطة من حب شديد النقاء دون أي شوائب مع مشاعر صافية إلى حد الطهارة وعطاء صادق لا ينتظر أي عائد فى أي وقت.

يمكن أن ندخل أكثر في التفاصيل الدقيقة، ونقول إن هناك لغة من الحوار اللاسلكي تنشأ بين الأم والطفل من اللحظة الأولى التي تتشكل فيها ملامحه في بطنها!

اكتشف علماء أن ذبذبات معينة تنشأ بين الجنين في الشهر الثالث وبين الأم.. هي اللغة التي يتكلم بها الجنين مع أمه، فتعرف تماما ما هي احتياجاته من الدفء والطعام والنوم والحركة. هذه الذبذبات لا تنتهي بالولادة إنما تستمر.. لكن يختلف بقاؤها من أم إلى أم حسب علاقتها بالطفل بعد ذلك.

الأم التي ترتبط بطفلها وترعاه بنفسها وتعتني به كأنه مازال قطعة منها، تظل هذه الذبذبات "اللغة" قائمة وتنمو وتتحول من مجرد إشارات إلى إحساس كامل به.. بكل التعقيدات التي تحدث للطفل بحالات النضج. بينما الأم التي تضع بينها وبين طفلها خادمة تعتني وتربي وتعلم.. تفقد هذه الميزة الرائعة من الإحساس.

هناك أمهات يحرصن على تنمية حاستها تجاه أبنائها. إنها تلغي المسافات المفترضة، وتبقي على الإشارات بينها وبين ابنها مهما مضى من عمر أو مهما كان العمر.. تفعل ذلك بدون أن تُدرك أن لديها قوة مذهلة على التنبؤ والمعرفة.

كيف نفوت قصة امرأة اتصلت بابنها بعد منتصف الليل تطلب منه أن يوقظ زوجته وأطفاله ويحضر إليها لأنها مريضة وتريد أن تراه قبل أن تموت.. ويلبي الابن النداء وهو منزعج من الفكرة.. ويقنع زوجته أن تذهب معه.. وبمجرد أن يذهب إلى بيت أمه يعرف خبر سقوط المنزل.

حدث هذا فى الإسكندرية قبل عشر سنوات. وقد سألوا الأم وقالت: لقد استيقظت وكنت أضحك بشدة في الحلم.. لكن قلبي مقبوض.. وكنت رأيت ابني في بيته ينادي أن أنقذه، فشعرت أن شيئا سوف يحدث له.. فطلبت منه الحضور.

وفى قرية فقيرة توفى ابن شاب وترك أمه وحيدة تبكى فراقه وتدعو الله أن تلحق بابنها الوحيد.. وبعد دفنه بخمس ساعات سمعته يناديها أن تذهب له.. وذهبت في الليل ونبشت القبر فوجدته على قيد الحياة!

ووجد أن المرأة في الريف أو في الصحراء أكثر قدرة على أن تخاطب أبناءها عن بعد ! ووجد أيضا أن أجهزة الاتصال الحديثة عطلت قدرات الأم على الاتصال بأبنائها.. وأن أسلوب الحياة في المدينة أفسد هذه الحاسة الفطرية أو جعلها تتراجع.

قلب الأم هو ليس فقط أحن القلوب.. لكنه أكثرها قدرة على اختراق الزمن والمسافة.. فهى تشعر بالماضى وإن لم تكن حاضرة.. وتقرأ المستقبل لو كان خاص بأبنائها.. وتحس بأي خطر أو حزن يمر به ابن لها مهما كان يفصلها عنه من مسافات طويلة جدا.

أما دعوة الأم المستجابة لأبنائها فهى أحد المعجزات التي منحها الله للأم الصادقة الصافية في أمومتها.. ليست كل أم تستحق أن تمتلك هذه المعجزة.. لكن أغلب الأمهات المخلصات فى تربية أبنائهن يحملن هذه المعجزة التى تحول الدعاء إلى استجابة من الله.. وفي تفسيري البسيط أن الله منح الأم هذه المعجزة التي تؤكد مكانتها الخاصة عند الله سبحانه وتعالى.. وتقديرا لهذه المخلوقة الضعيفة التي أرهقها الحمل والإنجاب والاعتناء بالطفل والخوف عليه وحتى تشعر أن يد الله ترعاها وهي تقوم وتمارس هذه المهمة الصعبة للغاية.

إنها مثل الأنبياء فى احتياج إلى معجزة لكى تنجز تربية شخص مميز في الحياة.. هذا الشخص سوف يصبح ملهما لعائلة بأكلمها فى المستقبل.

إن قلب الأم لا يعرف جنسية ما أو دينا ما أو مكانا ما.. كل الأمهات الفاضلات اللاتي يحترمن أمومتهن منحهن الله قدرا من الطيبة وقوة فى العطاء وطاقة رائعة على التحكم فى أطفالهن. منحهن الله الحس والحاسة والإحساس.. وجعل دعوة الأم تمحو الأزمات وتخفف الألم وتزيل الصعاب من الطريق.