التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 03:54 م , بتوقيت القاهرة

الطيبة.. أسوأ صفات المصريين

أكثر صفة يكررها المصريون على سبيل المدح هي صفة الطيبة، الطيبة هي الصفة الأساسية للمواطن الصالح في مصر، وتنتقل هذه الصفة لتكون صفة أساسية في من يريدون مدحه  فمترادفات كلمة طيب في الوجدان المصري كثيرة أهمها:

1- ساذج: لا يستطيع استنتاج الحقائق من المعلومات المتاحة، غير متشككٍ فيما يتلقاه (ياااه، ده أنت راجل طيب).

2- جاهل: لا يعرف الحقائق المختلفة أصلا، (الحاج راجل طيب مابيعرفش يقرا ولا يكتب).

3- تقليدي: متفق مع أي أكواد أخلاقية يفرضها المجتمع ولو ظاهريا (فلان طيب عمره ما شرب سيجارة).

4- إمّعة:( الوزير طيب واللي حواليه بيأثروا عليه).

5- فاشل: وعاجز إداريا (المدير طيب وسكرتيرته ممشياه).

6- مهمل وغير أمين على مسؤولياته: (المراقب طيب وهيسيبلنا اللجنة).

7- ضعيف: أو جبان أو عاجز ( جارنا ده طيب مهما تشتمه، مايردش عليك ويقولك الله يسامحك).

8- مرتشٍ: (الأمين طيب ماعملش مخالفة، خد عشرين جنيه وخلاص).

8-خجول بشدة: ولا يستطيع التعامل مع الجنس الآخر بشكل طبيعيّ ( دي طيبة، أول ما الواد كلمها اتلخبطت، ماهي مش متعودة تتكلم مع حد).

10- منطوٍ: (زميلنا ده طيب وفي حاله، مافيش بيننا غير سلامو عليكم، وعليكم السلام).

11- مستسلم للظروف: ( طيب، ومهما كان اللي بيحصل له بتلاقيه راضي ومبتسم، وبيقول قسمتي كدة).

أما أهم ما تُستخدم فيه كلمة طيب فهو التبرير (هو لسانه زفر بس طيب) (شديد شوية بس طيب) (غبي بس طيب). فالطيب مثلاً إذا ظهر أمامه مجرم عتيد الإجرام باكيًا وصارخًا أنا بريء، فإنه يترك الأدلة والقرائن والاعترافات والتحقيقات جانبًا، ويصدق كونه بريئًا لمجرد أنه قال ذلك بلغة  تستطيع التأثير فيه.

الطيبة تعني أن نمدح الخيبة والفشل في العلاقات بين الجنسين أو غيرها، وأن ننسبها دائمًا لطيبتنا نحن وللشرور الكامنة في الآخرين أو للظروف.

مما سبق فإنّ صفة الطيبة في ثقافتنا ليست في الواقع إلا انعكاسا لمجموعة من أسوأ الصفات الموجودة في المجتمع، ومع ذلك فإنّ ما تُمثله هذه الصفات الغريبة يتم امتداحه والارتقاء به واعتباره صفة مثالية.

كما أن الطيبة إذن وكنتيجة طبيعية لتعدد معانيها، فإنها أصبحت صفة غير معيارية لا يمكن قياسها، وقد يكون مدلولها اللغوي مختلفًا بين المتكلم والمتلقي، فيمكن نفي صفة الشجاعة عن شخص  نتيجة موقف معين خاف فيه وهرب من طفل صغير مثلا، ويُمكن نفي صفة البخل عن شخص يدعو أصدقاءه إلى سهرة مكلفة.. الخ

ولكن كيف يمكن إثبات أو نفي الطيبة؟ لا توجد إجابة واضحة لأن معاني الكلمة متعددة، ولأنها تعتمد حتى عند اعتبارها صفة مدح على نوايا داخلية في الموصوف لا يعرفها أحد.

وهكذا تتحول الطيبة من صفة موضوعية قابلة للقياس والنقاش إلى انطباع ذاتي لدى المتكلم، لا يقوم على معايير إلا إحساسه الشخصي بطيبة هذا أو ذاك.

وعندما تدخل العوامل الذاتية في التقييم تبدأ المصلحة الذاتية في التحول إلى أساس التقييم، حتى لو كانت المصالح الذاتية مخالفة للقانون وشديدة الإضرار بالآخرين، فالضابط الذي يطبق القانون بحسم  ليس طيبًا، أما المهمل فهو طيب، والمعلم أو الإدارة التي تقوم بمنح درجات مرتفعة وغير مستحقة للطلبة في المدرسة هو معلم طيب وإدارة طيبة.

تقييم الطيبة ذاتيا يعني أن يتحول  الشخص المتمرد أو أي شخص يحاول أن يعيش حياته بالشكل الذي يرضيه هو  إلى خصم، فالفتاة التي لا تلتزم بالزي المطلوب اجتماعيا ليست طيبة بالتأكيد، والشخص الذي يحاول التعبير عن نفسه بشكل أو مظهر أو كتابة أو أغنية لا تعجب الباقين، فهو بالتأكيد ليس طيبًا.

الذاتية  في الحكم علي الطيبة تعني أن الشخص الذي تستطيع أنت التأثير فيه هو طيب، والشخص الذي يؤثر فيه الآخرون هو (دلدول)، إن الجاهل هو ذلك الذي لا يعجبك جهله أو يضرك، أما إذا كان جهله لا يضرك أو ربما يفيدك فهو طيب.. إلخ.

الطيبة إذن باختصار هي تلك الصفة التي تصنع وتبرر كل فشل وعجز في المجتمع، الطيبة تعوضك عن كونك ناجحًا، الطيبة تعوضك عن تحقيق ذاتك في علاقتك بأصدقائك أو بحيبتك، الطيبة تعوضك عن فشلك في عملك، الطيبة هي مبررك لأي فشل سياسي باعتباره نتيجة تآمر الآخرين عليك لأنك (طيب ) وهم أشرار، الطيبة هي الصفة الوحيدة التي  تضعها في أي جملة تحاول بها البحث عن صفة جامعة للمصريين، مما يعني عمليًا العجز عن إيجاد تلك الصفة.

قد تقول: إن الألمان منضبطون، إن اليابانيين دقيقون، إن الفرنسيين أنيقون، إن الصينيين محبون للعمل، إن الأمريكيين محبون للمغامرة. ولكنك تقول: المصريون طيبون.

كل التغييرات الكبرى في العالم عبر التاريخ صنعها أشخاص يمكن وصفهم بمعايير الطيبة المصرية بصفات غاية في السوء: طماعون، متمردون، مجانين، مغامرون، دهاة.. الخ.

الطيبة ليست ميزة لأننا لا نريد  الطيبين، فهم لا يغيرون المجتمع للأمام أبدًا؛ لتقليديتهم واستسلامهم وفشلهم، نريد سياسيًا ناجحًا، وعالمًا عبقريا، وعاملاً ماهراً، وطالبًا مجتهدًا، وموظفاً غير مهمل، ومهندسًا متفوقًا، ومفكراً شجاعاً.