التوقيت الجمعة، 03 مايو 2024
التوقيت 10:01 م , بتوقيت القاهرة

حفلات تاريخية لأم كلثوم (7)

في 14 يوليو سنة 1958، انتهى عصر الملوكية في العراق، وبدأت الجمهورية، من خلال تنظيم يشبه تنظيم "الضباط الأحرار" في مصر، اسمه "الضباط الوطنيين"، وكان على راس التنظيم ده عبد الكريم قاسم، بمشاركة من عبد السلام عارف (فيه في مصر شوارع بـ اسم عبد السلام عارف بس).

عبد الكريم بقى أول حاكم عراقي في عهد الجمهورية، قبل ما حزب البعث ينقل عليه سنة 1963، ويعدموه في مبنى الإذاعة العراقي، لكن خلال السنين القليلة اللي حكمها كان فيه بالطبع أحداث كتير.

يهمنا هنا إنه أول ما قامت "الثورة" في 1958، كان فيه اعتقاد بين المصريين إن الضباط الوطنيين زي الضباط الأحرار، واللي حصل في العراق أخو اللي حصل في مصر، حتى الاتنين حصلوا في يوليو زي بعض، خصوصا إن يوليو المصرية بدأت تاخد مسار قومي عروبي واضح، وفيه وحدة حصلت بين مصر وسوريا، واسمنا اتغير بقى "الجمهورية العربية المتحدة".

وقتها، الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري، كان كاتب قصيدة في مدح "حركة" الجيش، وذاكر فيها عبد الكريم قاسم بالاسم.

القصيدة كانت أشهر حاجة في العراق وقتها، زي أغنية "يا الميدان" ولا قصيدة الأبنودي بتاعة "دولة العواجيز"، أم كلثوم كان عندها حفلة في سوريا، فـ قررت إنها تغني قصيدة الجواهري، وتهديها للثورة العراقية والجيش العراقي.

الحفلة كانت يوم الخميس 4 سبتمبر 1958، بعد أقل من شهرين من الثورة، وتقريبا بعد شهر من انتشار قصيدة الجواهري، وقبل الحفلة بـ كام يوم كانت أم كلثوم وجوزها الدكتور الحفناوي، بـ يتعشوا مع سفير العراق بـ القاهرة فائق السامرائي، ومعاهم سعيد فريحة ومراته. فريحة كان رئيس تحرير مجلة "الصياد" وهو اللي حكى الحكاية.

أم كلثوم قالت لهم في العشا إنها عندها حفلة في دمشق يوم الخميس الجي، وهـ تسافر الأربع، وهـ تغني قصيدة الجواهري من ألحان السنباطي، فـ استغربوا طبعا إن القصيدة لحقت تجهز، بس هي أكدت لهم إنها اختارت منها عشرين بيت، والغنوة جاهزة. مرات فريحة سألتها: جوزك هـ يسافر معاكي دمشق، فـ قالت لها: لأ، جوزك إنتي. وضحكوا، وروحوا مبسوطين، وتمام التمام.

طبعا السامرائي راح متصل بـ العراق، واستأذن في السفر دمشق يوم الخميس المذكور، والخبر انتشر في العراق وعبد الكريم قاسم زار الجواهري في بيته وقال له: مبروك، والدنيا هناك استعدت تسمع الثورة على لسان الست.

يوم التلات، قبل السفر بـ يوم، اتصلت أم كلثوم بـ السفير العراقي، وقالت له إنها مش هـ تقدر تغني القصيدة. ليه يا ست؟ أصلها مش جاهزة. بس حضرتك قلتي إنها جاهزة. السنباطي عيان وفيه تعديلات لازم تتعدل ع اللحن، وهو مش هـ يقدر يعملها، وحتى لو خف، هو بـ يخاف من ركوب الطيارة، وخالته بـ تولد وعمته بـ تغسل وبلا بلا بلا.

فشلت كل محاولات السفير في إقناع الست إنهم مستعدين يعملوا أي حاجة، وهـ يقبلوا الغنوة بـ أي صورة، فـ طلب سعيد فريحة بـ اعتباره كان حاضر العشا، وبـ اعتباره مسافر مع الست إنه يقنعها تغني الغنوة لأنه بـ صراحة محدش في العراق هـ يقتنع بـ موضوع السنباطي العيان ده. وده ممكن يعمل أزمة. فريحة رد بـ إنه محدش هـ يقتنع لا فـ العراق، ولا فـ غير العراق (واضح إنه كان بـ يهدي النفوس). فشل فريحة، فـ سألها إذا كانت هـ تسجلها في الإذاعة لما ترجع القاهرة، فـ قالت له: هـ أروح العراق أغنيها هناك.

طبعا لا فريحة ولا ألف فريحة كانوا هـ يقنعوا أم كلثوم إنها تغني الأغنية، لأنه واضح إن الأمور كان فيها أمور تانية، وده اللي هـ يبان بعدها من خلافات بين عبد الناصر وعبد الكريم قاسم وصلت للمكايدة في الإذاعات الرسمية.

راحت أم كلثوم الحفلة، ولـ حد آخر لحظة كانوا مستنيين الست تغير رأيها، بس هي غنت في الوصلة الأولى "ذكريات" وفـ التانية "عودت عيني" والاتنين كلمات رامي وألحان السنباطي، والتالتة كانت أهل الهوى، لـ بيرم وزكريا أحمد، وخلصت الحفلة، وما اتغنتش الغنوة، لا فـ سوريا ولا فـ العراق ولا حتى اتسجلت في الإذاعة.

 إيييه، دونيا.