التوقيت الأحد، 05 مايو 2024
التوقيت 10:40 م , بتوقيت القاهرة

من مهرجان السرد الإبداعي.. حُلم وضرورة

في مدينة دبي للإعلام، وداخل الجامعة الأمريكية بدبي، كلية محمد بن راشد للإعلام، ستلمح على مدار أربعة أيام نشاطا زائدا عن المعتاد، سبب هذا النشاط هو انعقاد فعاليات الدورة الثانية لمهرجان الفيلم الطلابي في الجامعة خلال الفترة بين 21 و24 فبراير.



ربما لن يلفت الانتباه كثيرا التعدد الواضح في الجنسيات، في ظل كون الجامعةـ والمدينة بأكملها ـ أشبه ببرج بابل، يمكن بسهولة بالغة أن تجد في مطعم واحد مثلا أشخاص من عشرين جنسية مختلفة. لكن المُلفت فعلا هو تلك الطاقة والصخب التي يحدثها حضور المهرجان وضيوفه، وجميعهم تقريبا من طلبة الجامعات ومعاهد السينما، أو على أقصى طلاب أنهوا دراستهم الجامعية مؤخرا وجاءوا بأفلام تخرجهم للمشاركة في المهرجان.


الحقيقة أنها المرة الأولى التي أحضر فيها مهرجانا لأفلام الطلبة، المهرجانات العديدة التي أتجول بينها خلال العام كلها مخصصة للمحترفين. صحيح أن بعضها يُفسح مجالا للأفلام الطلابية أو يشارك في تنظيمه بعد المتطوعين الشباب، لكن أن يكون المهرجان بالكامل مخصصا للطلبة، فهذا حدث يستحق التجربة والرصد، خاصة وأن المهرجان لم يبخل في استضافة معظم مخرجي المهرجان من قارات العالم الست، ليجد صاحب الخبرة النسبية نفسه أمام عشرات الشباب، الآتين من خلفيات وثقافات متنوعة، لا يجمعهم سوى قدر ضخم من الحماس والطاقة والرغبة في معايشة التجربة للحد الأقصى.



صباح يوم الأحد، اليوم الثاني من المهرجان، أقيمت جلسة للتعارف السريع Speed networking، بين ضيوف ومخرجي المهرجان وأعضاء لجان تحكيمه ـ ومن ضمنهم كاتب هذه السطور ـ نظام الجلسة يعتمد على جلوس الحضور في دائرة من الطاولات، يمنح طرفيها ثلاث دقائق للتعارف وتبادل المعلومات الرئيسية، ثم ينطلق جرس، ليقوم أحد الطرفين بالانتقال للطاولة التالية بينما يحل محله من كان في الطاولة السابقة، وهكذا يتغير طرفا التعارف كل ثلاث دقائق، ليكون كل شخص خلال ساعتي الجلسة قد تعرف على ما يقترب من الأربعين شخصا.


الفكرة تبدو أقرب لألعاب معسكرات الشباب، خاصة مع طريقة تنفيذها التي يمسك فيها منظمو المهرجان بالجرس ليدقونه فيجبرون مخرجا على ترك مكانه والانتقال للمقعد التالي. هناك صبغة تربوية ما فيما يحدث. لكن الجميع ينفذونه بمرح ورغبة ودون أي ترفع أو شعور بأن الالتزام بالقواعد سينقص من قدر الشخص، وهو بالطبع مكوّن طبيعي في عمل طبيعته إعطاء التعليمات للجميع وليس استقبالها كالإخراج.


لكن لا أحد هنا يعاني من هذا المكوّن، ربما لأنه لم ينمُ بعد في نفوس صناع الأفلام الصغار، سنا بالطبع وليس قدرا، أو لأن الجو العام للمهرجان كله لن يسمح بأي اعتراض من هذا النوع، فالكل يشارك ويستمتع دون حساسيات زائدة.


عروض الأفلام أيضا تمتاز بصبغة خاصة، فبخلاف حفلي الافتتاح والختام اللذين يستضيفهما مسرح الكلية الضخم، فإن العروض المختلفة تقام داخل ستوديوهات الدراسة الجامعية، ويجلس الحضور خلالها على مقاعد قماشية beanbags. شكل شبابي مجنون هو الآخر لقاعة العرض، لكنه في النهاية يصب في مصلحة منح المهرجان طابعا عاما واحدا: هذا مهرجان طلابي حقيقي، كل ما فيه من فعاليات وأنشطة ينتمي لثقافة جيل طلبة الجامعية الحاليين، وليس لانطباع الأستاذة عن حياة الطلاب كما يحدث دائما مع أي فعالية شبابية يشرف عليها أجيال أكبر في العمر. لكن "السرد الإبداعي" نجا من الوقوع في هذا الفخ.



روح المهرجان ونجاحه وقدرته على الاستمرار (الأفلام التي تقدمت للمشاركة في الدورة الثانية بلغت ضعف المتقدمين لدورة العام الماضي)، كلها أمور تلقي الضوء على أهمية امتلاك مصر لمهرجان خاص بسينما الطلبة. فمصر هي أول دولة في المنطقة تمتلك معهدا رسميا لتدريس السينما، خرج منه عشرات المبدعين في مختلف تخصصات الفن السابع، وهو معهد لا يزال حلما لمحبي السينما في كل مكان بالمنطقة العربية برغم فقدانه للكثير من مستواه الدراسي والعملي.


وبخلاف المعهد هناك جهات عديدة أصبحت تدرس السينما في مصر، ناهيك عن باقي دول الجوار، بصورة تجعل تنظيمنا لمهرجان لأفلام الطلبة، ضرورة ملحة (ومهرجان آخر للسينما العربية بالطبع، فهما ما ينقصان الأنشطة السينمائية المصرية وفقا لرأي الناقد الكبير علي أبو شادي).


التجربة أثبتت أن طلبة مصر قادرين على تنظيم فعاليات ناجحة، وأقصد بالتجربة برنامج "سينما الغد" الذي نظمه إتحاد طلاب معهد السينما على هامش مهرجان القاهرة السينمائي السابق، بإشراف من المخرج سعد هنداوي. البرنامج الذي شهد الجميع بمستواه الفتي والتنظيمي، والذي يفتح باب الحلم بإيجاد مهرجان مصري على غرار مهرجان السرد الإبداعي للفيلم الطلابي بدبي، والذي بدأ مهرجانا صغيرا، وها هو يأخذ في التطور والتوسع تدريجيا، بنجاح أشهده ويشهده معي كل حضور المهرجان الحالي.