التوقيت الجمعة، 29 مارس 2024
التوقيت 02:13 ص , بتوقيت القاهرة

كارثة الزمالك وإنبي تطرح الثقة في الإعلام

كشخص قضى طفولته الواعية في الثمانينيات، لم يكن أمامي إلا القناة الأولى والثانية، عاجبني عاجبني، ولو لا، أستطيع أن أخبط رأسي بالحيط.
        
لكن من ولدوا في أواخر الثمانينيات أو التسعينيات لم ينشأوا نفس النشأة، وجود النت والدش منذ منتصف التسعينيات غير عملية الحصول على المعلومة وتدوالها تغييرا جذريا، كما ونوعا.


هذه التنافسية تعني شيئا واحدا، أن أي وسيلة إعلامية، مهما كانت، لا تستطيع أن تحتكر المعرفة، ولا أن تضمن الجمهور. وأن الوسيلة الوحيدة لكي يقبل عليها الناس أن تقدم لهم ما يريدون.


لن أدعي أن الناس تريد الحقيقة. هذا مجرد إكليشيه. إنما الناس يحبون رؤية ما يحبون رؤيته. هذا لا يعني الحقيقة، إنما يعني ما يروي فضولهم. إن استطعتِ أن تقدمي رواية محكمة، مسلية، تروي الفضول، حتى لو كانت كاذبة، سيقبل الناس عليها.


هذه مشكلة الإعلام في مصر، أنه لا يكلف نفسه تقديم روايات تروي الفضول. حين تعرض له قصة تسبب له حرج سياسي، إما أن يبالغ في تقديم تفاصيل غير حقيقية، من السهل اختبارها ورفضها، ولا تستقيم معا، وإما أن يتجنب القصة وكأن شيئا لم يكن.


فيديو| ماذا قال الإعلاميون عن حادث إستاد الدفاع الجوي؟


حدث هذا في تغطية 25 يناير، واعتقدنا أنه تعلم الدرس، لنكتشف أنه مستمر حتى الآن، وتكرر في استاد الدفاع الجوي. 


المشكلة أن الإعلام قديما كان فاقدا للثقة لكنه الوحيد المتاح (إلى جانب إذاعة لندن)، لكن بدائله الآن كثيرة. يستطيع الناس أن يحصلوا على ألف مصدر آخر للمعلومة، من قنوات تليفزيونية أخرى، من النت، من موبايلات شخصية صورت واقعة.


المشكلة التالية أن هذه البدائل لا تقدم الحقيقة هي نفسها، لكنها تقدم روايات فيها تفاصيل أكثر. حين يختار الجمهور بين لا شيء (كما كانت الصورة في مباراة الزمالك وإنبي) وبين رواية غير حقيقية فالاختيار واضح. لأن اللاشيء ليس خيارا أساسا. أي أن الإعلام بانسحابه لم يفقد فقط ثقة الناس فيه، وتعويلهم عليه، بل أعطى الفرصة لمن يريدون أن ينشروا روايات كاذبة.



الإعلام المصري شريك أساسي في نجاح الإعلام الإخوانجي، والقطري الإخوانجي. الإعلام المصري يقدم نفسه كمادة سهلة للسخرية في الإعلام الغربي.


لا أدري كم درسا يجب أن نتلقى لكي نتعلم أن الإعلام حصان أسود في السياسة؟ ليس بالاحتكار، ولا بالاستحمار، بل بالابتكار وباحترام عقل المشاهدين. كان بالاحتكار في الماضي، لكنه فقد هذا الخيار حاليا. كان بالاستحمار في الماضي، لكنه صار يعطي بهذا فرصة لمنافسيه حاليا.


ولا أدري كم درسا يجب أن نتلقى حتى تتخذ مصر القرار السياسي بأن يكون لدينا إعلام مستقل جيد، يملك فرص الحصول على "الحقائق"، وبالتالي يمكن محاسبته على نشر الأكاذيب وعلى السب والقذف. الإعلام في دول أخرى أكثر حرية من هنا عشرات المرات، لكنه أكثر مسؤولية لأنه يعلم أن القانون لن يسمح باستغلال الحرية في ابتزاز الآخرين وأذيتهم أو التحريض عليهم أو إشاعة أكاذيب.



ما من مجتمع متطور بلا إعلام حر. ولا من دولة ذات تأثير خارج حدودها إلا بإعلام موثوق به.


إجراءات في أكثر من اتجاه مطلوبة من السلطة الحالية، سواء في قضية شيماء الصباغ، أو في قضية استاد الدفاع الجوي، لتعزيز الثقة في القانون، من بين الإجراءات المطلوبة إجراءات تحاسب الإعلام "الرسمي" على التغطية الميدانية للأحداث.