التوقيت السبت، 27 أبريل 2024
التوقيت 01:00 ص , بتوقيت القاهرة

فرناندو الذي في محمد محمود

"كنت خائفا جدا، كنا لا نزال صغارا ومليئين بالحياة، ولم يكن أي منا مستعدا للموت بعد، ولا أشعر بالحرج من قول إن أصوات البنادق والمدافع الآن تكاد تجعلني أبكي".


وكأننا نتحدث عن أحد الملاحم التي تعرّضنا لها، وكأننا نسترجع أصوات أحداث محمد محمود أو كأن أحدهم يتذكر رفيقه الذي تَضَرَّجت فانلته بالدماء في استاد بورسعيد. 


"Fernando"، الأغنية التي أصدرتها فرقة "آبا" السويدية في مارس من عام 1976، التي أزعمُ أنها تصف وصفا تفصيليا أحداث محمد محمود، أو الأحداث التي مثلها، بل وتكاد تنطبق على كل ذكرياتنا مع أصوات الرصاص ورائحة الغاز المسيل للدموع.




أتعجبُ من أن غالبية ذكرياتي عن الأحداث تتمثل في ساعات الليل، لا أتذكر الأحداث النهارية مثلما أتذكر الأضواء الصفراء عواميد النور في الشوارع، أو الظلام الدامس الذي تشوبه رائحة الغاز بعد تكسير تلك العواميد.


"فرناندو، هل تستطيع سماع أصوات الطبول؟ مازلت أتذكر ليلة مثل هذه الليلة، كانت أيضا مضيئة بالنجوم، وأمام شعلات النار، كنت تهمهم لنفسك وتعزف ألحانك برفق على "الجيتار"، وقتها، كنت أسمع أصوات الطبول البعيدة، وكانت نداءات الأبواق تصل من المسافات الطويلة".


أمام سيل الرصاص والخراطيش، لمن لا يعلم، كان يدق محاربو الصف الأول على الحديد بقوة، كأصوات إنذار للناس المتجمعين، تخبرهم بأن الخطر على بعد أمتار. "فرناندو، في هذه اللحظة كانوا أقرب وكنت خائفًا جدًا، كنا لا نزال صغارًا ومليئين بالحياة ولم يكن أي منا مستعدا للموت بعد، ولا أشعر بالحرج من قول إن أصوات البنادق والمدافع الآن تكاد تجعلني أبكي". 


الأغنية ببساطة تحكي عن مأساة فقدان الرفيق والحب في الأحداث التي لا تُنسى، والذكرى التي تلازم من بقي حيًا لسنوات في أجواء من النوستالجيا واسترجاع بصري وسمعي لمعركة حدثت في زمن بعيد بين تكساس والمكسيك. تجسد الكلمات اثنين من المقاتلين يجلسان في ليلة صيفية تمتلئ سماؤها بالنجوم، ويتذكران ما مر بهما من أحداث تلك المعركة.


"في تلك الليلة، كان هناك شيء ما في الأجواء.
كانت النجوم تلمع أكثر.. فرناندو
كانت هناك، تبرق من أجلك ومن أجلي ومن أجل الحرية.
على الرغم من إيماننا وقتها باستحالة الخسارة.
لا يوجد أي ندم.    
لو عاد الزمن، كنت سأفعل نفس الأشياء
مرة أخرى يا صديقي".


تبدو الكلمات مألوفة. في داخل كل منا فرناندو، ويمثل كل منا صديق فرناندو. الفاقد والمفقود والأجواء. بعد مرور أعوام، لا تختفي الذكريات المرعبة، ولا تنزوي الوجوه المذعورة، بل تتراكم هناك في قاع أرواحنا، وتتخذ لونا رماديا، يطفو على السطح كلما رأينا سماء كتلك السماء القابعة في الذاكرة، أو سمعنا صافرات المدرعات في الشوارع، أو شممنا رائحة الغاز المسيل للدموع.


"نحن الآن أكبر ولوننا رمادي. فرناندو، ولم أرَ في يدك سلاحا منذ أعوام.


هل تستطيع سماع الطبول؟ 
هل مازلت تتذكر تلك الليلة الفاصلة حين عبرنا نهر ريو جراندي؟
أستطيع أن أرى ذلك في عينيك
كم كنت أبيًا حين حاربت من أجل الحرية في هذه الأرض!"


تم إصدار تلك الأغنية بالسويدية والإنجليزية والإسبانية، وتعتبر "فرناندو" هي العمل الأكثر مبيعًا للفرقة التي، للمفارقة، توقفت عن إصدار أغنياتها وإشعاع البهجة بسبب الاكتئاب الحاد والمشكلات الشخصية التي أصابت أفرادها، فانفصل كل زوجين منهم، ثم توقفت الفرقة تماما، وكأنها تمثل كل جيل ملأته الحماسة والطاقة ثم انطفأ فجأة. لو كان هذا المقال بعنوان، "عشرة أسباب لحب فرقة ABBA"، كنت سأقول: فرقة آبا تمثلنا إلى حد ما.


"في تلك الليلة، كان هناك شيئًا ما في الأجواء
كانت النجوم تلمع أكثر.. فرناندو
كانت هناك، تبرق من أجلك ومن أجلي ومن أجل الحرية
على الرغم من إيماننا وقتها باستحالة الخسارة.
لا يوجد أي ندم.    
لو عاد الزمن، كنت سأفعل نفس الأشياء.
مرة أخرى يا صديقي".