التوقيت الجمعة، 17 مايو 2024
التوقيت 12:23 م , بتوقيت القاهرة

في لقاء تجديد الخطاب الديني: الثورة أساسها المصلحة العامة

أرجو أن نبحث عن نقطة بداية جديدة، فنحن ما زلنا للأسف ندور في نفس المكان والدائرة المفرغة التي كنا فيها منذ عدة عقود، ندور في دائرة التجزئة وتكفير المخالفين والبقية تأتى، فهل سنستطيع أن ننقذ سوريا والعراق وتونس واليمن ولبنان وليبيا؟ هذا هو السؤال والتحدي الأصعب في المرحلة المقبل.


بهذه الكلمات اختتم الدكتور حسن حنفي لقاءه الفكري، أمس الثلاثاء، مع معرض القاهرة الدولي للكتاب.. محذرا مما هو قادم إذا بقي الحال على ما هو عليه.


كان قد بدأ اللقاء بكلمة الأستاذ الدكتور أنور مُغيث رئيس المركز القومي الذى أدار اللقاء، وقدم د. حسن حنفى قائلا: نلتقى اليوم بفيلسوف ومفكر من طراز فريد، فهو شخصية مهمة في الفكر العربي والمصري المعاصر، هو الدكتور حسن حنفي أحد مُنظّري تيار اليسار الإسلامي، وتيار علم الاستغراب، وأحد المفكرين العرب المعاصرين من أصحاب المشروعات الفكرية العربية.


وأكمل "مغيث" "لقد لاحظتم الاهتمام بموضوع تجديد الخطاب الديني ما حذا بإدارة المعرض أن يكون شعار المعرض هذا العام هو الفكر والتجديد، وأن تكون شخصية المعرض لهذا العام هي الإمام محمد عبده، ومن هنا كان هناك اهتمام إعلامي ربما وصل لحد المبالغة في بعض الأحيان، وخاصة بعد خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسي، ولكن تلك القضية ليست وليدة اليوم بل هي قضية طرحت ونوقشت منذ عقود".


وواصل الدكتور مغيث حديثه "لقد ظهر تأثير ضيفنا اليوم في لحظة تاريخية فارقة في تاريخ مصر والمنطقة العربية وهي نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، وفي هذا الوقت كانت الأمة العربية منقسمة بين فريقين الفريق الأول: يرى الدولة من منظور الديموقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المواطنة، والفريق الثاني: يرى الدولة من منظور إسلامي والقائم على الخلافة والبيعة، وهنا ظهر حسن حنفي، ليقول لنا رسالة واضحة مفادها أنه لا يمكن لنا أن نتقدم ونتطور ونترك الخطاب الديني كما هو وشأنه، فهذا محض وهم كبير فإذا أردنا التقدم والحداثة فلابد لنا أن نطور في العقليات المغلقة والتصورات الدينية الجامدة.


ومن هنا كان حنفي مؤثرًا في الطرفين، ومسار نقد من الجانبين الديني والسياسي، وبدأ يُدرك مشكلات مصر بداية من معاهدة السلام، والتمييز بين الطبقات، وكان له خطاب خاص سعى فيه بالعقل إلى تجديد الخطاب الديني بشكل واضح.


وقد بدأ ضيف المعرض واللقاء الفكري الدكتور "حسن حفني" قائلا: كثر الحديث فى الآونة الأخيرة عن تجديد الخطاب الدينى. شارك فيه الرئيس بداية حتى يفتح المجال لنقد حركات الإسلام السياسى على كل أنواعها أو مشاركة فيما يدور بين الكُتّاب حتى لا يبدو خطابه مقتصرًا على المشاريع التنموية الكبرى وأزمات الحياة اليومية كالكهرباء والمياه والصرف الصحى والعشوائيات والمرور والأمن.. ومادام الرئيس قد شارك فيه فالموضوع أصبح منطقة أمان. يستطيع كل كاتب أن يشارك فيه باسم التجديد والتنوير ومواجهة قوى الظلام والتخلف.


وعلماء الدين، وليس رجاله لأن الدين ليس له رجال أو سلطة، يقبلون الدخول فى هذا النقاش على مضض لأن الدين لا تجديد فيه، لغة أو موضوعًا، شكلاً أو مضمونًا!!. ولغته لا تتغير لأنها لغة القرآن. والقرآن هو كلام الله الذى لا تغيير فيه. بل إنهم هم الرافضون لأى محاولة لفعل ذلك من العلمانيين الذين يتآمرون على الدين بداية بالقطيعة معه وتغيير لغته كما فعل الغرب فى عصوره الحديثة.


بل ويكفّرون من يقوم بذلك، لأنه هدم للدين من الداخل وترويج للعلمانية حاملة الكفر والإلحاد. ويقوم بذلك العلمانيون وهم غير متخصصين. يريدون استبعاد الدين من الحياة اليومية لتأسيس المجتمع المدنى، كما فعل الغرب. فالدين لله والوطن للجميع.


وهو التيار الذى بدأه فرح أنطون ونيقولا حداد، وإسماعيل مظهر، وقاسم أمين وسلامة موسى، وخالد محمد خالد، ومن المعاصرين سعيد العشماوى، وسيد القمنى. وهو التيار الذى رد عليه محمد عبده ورشيد رضا وكل علماء الدين. ويشارك فيه الإعلاميون بغية الشهرة والإثارة. وينقسمون إلى يسار مؤيد لتجديد الخطاب الدينى، ويمين معارض له.


وينشغل الناس بهذا السجال بين من يظن أنه يدافع عن الدين وتراث الأمة ومن يظن أنه يدافع عن الحداثة والاجتهاد وروح العصر. ويقوم به أيضاً المثقفون الوطنيون والعلماء المجتهدون والمفكرون المستقلون مفرقين بين اللفظ والمعنى والنفس والبدن. اللفظ يتغير بتغير العصر ولكن المعنى باق. والجسد يبلى ويتجدد ولكن الروح باق. يعتبرونهم علماء الدين علمانيين متخفيين. ويعتبرهم العلمانيون إسلاميين متخفيين. يعتبرهم الإسلاميون شيوعيين. ويعتبرهم الشيوعيون سلفيين متخفيين. وتعتبرهم أجهزة الأمن إخوان شيوعيين. يوضعون وراء القضبان فى كل موجة ضد الإخوان أو الشيوعيين. وهم محاصرون من الإعلام، يعيشون فى عزلة لأنهم ليسوا أهل شهرة. لا يريد صب الزيت على النار وإشعال الفتن بين الفريقين فى عصر يبلغ الاستقطاب فيه إلى أقصى مدى بما فى ذلك سفك الدماء دون معرفة من القاتل ومن المقتول.


وألفاظ أهل الكتاب وأهل الذمة قد تتعارض مع مفهوم المواطنة التى يتساوى فيه الجميع، حقوقاً وواجبات دون تمييز فى الدين أو المذهب أو الطائفة أو الذكورة والأنوثة. والحجاب والنقاب وغطاء الرأس تخضع لظروف بيئية خالصة وللأذواق الخاصة والعادات الاجتماعية وهى متغيرة.


وفى الثقافة الشعبية ممثلة فى الأمثال العامية ما يسمح بتجديد الألفاظ ولكن التيار الغالب هو القول بثباتها. وهو الصراع القديم والجديد، بين الأشاعرة ممثلة القديم والمعتزلة ممثلة الجديد. وكل ما فعلته الحركة الإصلاحية مثل محمد عبده أنها أصبحت أشعرية فى التوحيد وإن اقتربت من المعتزلة فى العدل إثباتاً لاستقلال العقل وحرية الإرادة.


إن تجديد الخطاب الدينى يبدأ بحياة الناس والواقع الاجتماعى، ما يقبله وما يرفضه. وهو منهج الاستقراء القديم الذى يحصى العلل المتحكمة فى السلوك لمعرفة الأسباب. وقديما قال ابن سينا «لا مشاحة فى الألفاظ».


إن تجديد الخطاب الدينى هو أحد وسائل تطوير الخطاب الإصلاحى الذى حاول من قبل الجمع بين القديم والجديد قبل أن يصطدم بالحداثة فينكمش على نفسه ويعود إلى القديم مرة أخرى ويكفّر الحداثة والحدثيين، والتجديد والمجددين.


وتقدم الدكتور أنور مُغيث بالشكر للدكتور حسن حنفي على هذا التناول التاريخي والمعاصر في نفس الوقت لإشكالية تجديد الخطاب الديني والذي يستند إلى مجموعة من الآليات والأساليب حتى لا يُترك الحبل على غاربه لمن يملأون الفضائيات تحت ستار ما يسمى بالجعاة الجدد، فللخطاب الديني مراحل تاريخية معناها هو نقل البلد من حالة إلى حالة أخرى وأن نستخدم الألفاظ القديمة ولكن بمدلول جديد بما يتواكب مع عصر الحداثة أو أن نضع أهدافًا جديدة ونحاول أن ندمجها مع التصورات القديمة، فالمهمة الأساسية للخطاب الديني هو رأب الصدع داخل الأمة العربية والإسلامية.